spot_img

ذات صلة

كل المقالات

راتب “مايسة سلامة” كرئيسة جمعية ريع أم دخل مشروع !؟.

رشيد صفـَـر

أثار تداول خبر حصول المؤثرة مايسة سلامة الناجي على راتب مهم بصفتها رئيسة جمعية، موجة واسعة من النقاشات والانتقادات، حيث وصف البعض هذا الراتب بـ”الريع” واعتبره آخرون، ابتعادا عن روح العمل الجمعوي التطوعي. غير أن هذا الجدل يستدعي مقاربة أعمق، تأخذ بعين الاعتبار الإطار القانوني المنظم للجمعيات في المغرب، والتطور الذي عرفه العمل الجمعوي نحو المأسسة والاحترافية.

يعود المرجع القانوني الأساسي للجمعيات في المغرب إلى ظهير الحريات العامة لسنة 1958، الذي عرّف الجمعية بأنها “اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو أكثر، لا يكون الهدف منه اقتسام الأرباح”. هذا التعريف يكرس الطابع غير الربحي للجمعيات، ويؤكد أن غايتها خدمة الصالح العام، سواء في المجالات الاجتماعية أو الثقافية أو التنموية أو الرياضية.

مع ذلك، لا يمنع القانون أن توظف الجمعية أطرا أو مسؤولين يتقاضون أجورا مقابل عملهم، بما في ذلك الرئيس أو المدير التنفيذي، شرط أن يتم ذلك وفق ضوابط واضحة، ومنها أن تكون الجمعية مسجلة قانونيا، وأن يتم التوظيف بناء على عقد عمل قانوني يحدد المهام والمسؤوليات، و أن يتم تحديد الراتب من طرف المجلس الإداري أو الجمع العام وفق النظام الأساسي أو الداخلي للجمعية، و يتم صرف الراتب من الحساب البنكي للجمعية، ويُدوَّن في السجلات المالية الرسمية ويخضع للمراقبة و التدقيق.
بهذه الشروط، يتحول الراتب إلى تعويض مشروع عن العمل والتفرغ، لا إلى ريع أو استفادة غير مبررة.
لم يعد العمل الجمعوي في المغرب مقتصرا على المبادرات التطوعية البسيطة، بل تحول مع مرور الوقت إلى فضاء مؤسساتي منظم يتطلب كفاءات وأطرا مؤهلة. ويمكن تتبع أهم محطات هذا التطور كالتالي :

في سنة 1958 صدر ظهير الحريات العامة، المؤسس للطابع غير الربحي للجمعيات، ومع حلول سنة 1997 تم الإقرار بمهنية العمل الجمعوي بعد صدور الظهير المنظم للمنظمات غير الحكومية (ONG)، وقد تبنى المغرب مقتضيات دولية في مجال حقوق الإنسان والتنمية المستدامة، ما وسع من أدوار الجمعيات بداية من سنة 2002.
ولابد من الإشارة في هذا السياق إلى تأكيد دستور 2011 للمملكة المغربية على حرية تأسيس الجمعيات ودعمها كركيزة للمجتمع المدني، وقد شهدت سنة 2019 إصلاحات قانونية جديدة عززت مبادئ الشفافية والمساءلة، وأقرت إمكانية صرف أجور للأطر التنفيذية داخل الجمعيات.
هذا المسار يعكس انتقال العمل الجمعوي من منطق التطوع وعدم تقسيم الأرباح إلى احتراف مهام داخل الجمعيات وهو ما نتج عن مأسسة العمل الجمعوي، خاصة في الجمعيات التي تدير مشاريع كبرى أو توقع شراكات مع جهات مانحة وطنية ودولية.
إن وصف راتب رئيس جمعية بـ”ريع” يحمل دلالة سلبية، تفترض أن الراتب تحصيل غير مستحق أو قائم على امتيازات غير معقولة وغير منسجمة مع روح القانون، لكن الحكم يحتاج إلى التحقق من مجموعة عناصر والإجابة عن أسئلة قبل إطلاق أحكام ومن بين هذه الأسئلة :

هل الجمعية مسجلة قانونيا؟
هل الراتب محدد في النظام الداخلي أو بقرار من المجلس الإداري؟
هل هناك تفرغ فعلي للرئيس للقيام بمهام إدارية وتنفيذية؟
هل التمويل الذي يدفع منه الراتب مشروع وموثق؟

في حالة توافر هذه الشروط، يصبح الراتب أجرا مقابل خدمة مهنية، تماما كما هو الحال في جمعيات التنمية المحلية التي توظف مدراء مشاريع يتقاضون أجورا مقابل تسيير برامج صغيرة وكبيرة بتمويلات رسمية.
إن الجدل القائم حول راتب مايسة سلامة الناجي كرئيسة جمعية، يعكس حاجة المجتمع إلى ثقافة واضحة للتمييز بين الريع والأجر المشروع في العمل الجمعوي. فالقانون المغربي لا يمنع حصول رئيس جمعية على راتب، لكنه يفرض أن يتم ذلك في إطار قانوني ومالي شفاف، يخضع للرقابة ويستند إلى تفرغ فعلي وخدمة للصالح العام.

ولا يمكن نكران أن العمل الجمعوي في المغرب عرف ويعرف مرحلة انتقالية بين التطوع التقليدي والاحتراف المؤسسي، وهذا الأمر يتطلب وعيا من الفاعلين في المجالات المرتبطة بالعمل الجمعوي و مكونات المجتمع، إذ أن المأسسة لا تعني التخلي عن القيم، بل تهدف إلى تعزيز الاستمرارية والمردودية مع احترام القانون والهدف الأسمى من الجمعيات.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا
Captcha verification failed!
فشل نقاط مستخدم captcha. الرجاء التواصل معنا!
spot_imgspot_imgspot_imgspot_img