بقلم: مصطفى سيتل – باحث في العلوم الأمنية
يُعدّ تدبير الشأن الأمني بمدينة القصر الكبير مسؤولية جماعية تتجاوز حدود المؤسسات الأمنية وحدها، لتشمل مختلف الفاعلين العموميين والمجتمع المدني وساكنة المدينة. فالأمن، مهما توفرت له من ترسانة قانونية ومؤسسات متخصصة ووسائل تقنية، يظل في حاجة إلى مقاربة تشاركية قائمة على الشفافية، والتواصل، واحترام الضوابط القانونية المؤطرة للعمل الأمني، حتى يحقق النجاعة المنشودة ويحظى بثقة المواطنين.
إن مأسسة الضوابط الأمنية الجيدة تقتضي وضوح الصلاحيات، واحترام المساطر القانونية في كل العمليات الميدانية، سواء تعلق الأمر بالمراقبة أو التدخل أو التتبع. كما تتطلب اعتماد آليات عادلة وشفافة للمراقبة الداخلية، تضمن خضوع جميع الممارسات الأمنية للمساءلة وفق القانون، وتكرّس مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وفي هذا السياق، يثير قيام رئيس الهيئة الحضرية بمفوضية الشرطة بمدينة القصر الكبير بمراقبة السدود القضائية باستعمال وسائل خاصة وبالزي المدني، تساؤلات مشروعة حول مدى انسجام هذه الممارسة مع الضوابط الأمنية المعمول بها، ومع المقتضيات القانونية المنظمة لعمليات المراقبة الأمنية الداخلية. فمثل هذه الإجراءات، إذا لم تكن مؤطرة بإطار قانوني واضح ومعلن، قد تفتح الباب أمام تأويلات تمس بمبدأ الشفافية وتضعف الثقة المتبادلة بين المواطن والمؤسسة الأمنية.
كما أن الحكامة الأمنية الجيدة تفرض الاستثمار في التكوين الممنهج لموظفي إنفاذ القانون، خصوصاً في مجالات حقوق الإنسان، وقواعد استعمال السلطة، وأساليب التواصل مع المواطنين. ويظل تحسين قدرات المراقبة التي يمارسها المجتمع المدني أحد الركائز الأساسية لتعزيز هذه الحكامة، وذلك عبر تمكينه من الإطار القانوني والمعطيات الضرورية التي توضح كيفية اشتغال الأجهزة الأمنية وحدود تدخلها.
إن الرهان الحقيقي اليوم لا يكمن فقط في تعزيز الحضور الأمني، بل في ترسيخ نموذج أمني قائم على القانون، يحترم الحقوق والحريات، ويُشرك المجتمع في تقييم الأداء الأمني وتطويره. فبهذه المقاربة وحدها يمكن لمدينة القصر الكبير أن تنتقل من تدبير أمني تقليدي إلى نموذج مؤسساتي حديث، يوازن بين متطلبات الأمن واحترام دولة الحق والقانون، ويجعل من الأمن رافعة للاستقرار والتنمية بدل أن يكون مصدراً للتوجس أو الجدل.

