القصر الكبير – رضى العلوي.
في ظل التحديات الأمنية المتزايدة، تبرز أهمية تجويد تكوين رجال الأمن كشرط أساسي لتحسين الخدمات الأمنية وتكريس مفهوم “الشرطة المواطنة”، لاسيما في مدن مثل القصر الكبير، حيث تتقاطع الرهانات الأمنية مع انتظارات ساكنة تتطلع إلى خدمات أمنية أكثر مهنية، مسؤولية وعصرنة.
ويعد التكوين الأساسي للملتحقين الجدد بجهاز الأمن الوطني مرحلة مفصلية في مسارهم المهني، فهو لا يقتصر فقط على اكتساب المعارف النظرية والتقنيات العملية، بل يشكل مدخلاً لبناء شخصية شرطية منخرطة في القيم المؤسسية، وواعية بمهامها في حماية النظام العام وضمان الطمأنينة داخل المجتمع.
الهدف الأسمى لهذا التكوين، وفق تصور مؤسساتي حديث، لا يقتصر على صقل المهارات، بل يتجه إلى تحسين السلوك المهني، وتكريس مبادئ نكران الذات وروح الخدمة، بعيداً عن الأنانية المفرطة (Egocentrisme) نحو تغليب النزعة الغيرية (Allocentrisme)، أي العمل من أجل الآخر والمجتمع.
بداغوجيا متجددة لخدمة المواطن
برامج التكوين المعتمدة داخل مؤسسات التكوين الأمني بالمغرب أصبحت تخضع لمراجعات منتظمة، لتتلاءم مع الواقع الميداني ومتطلباته. فاليوم، لم يعد يكفي أن يكون رجل الأمن حاملاً للزي، بل مطلوب منه أن يكون عنصراً فعّالاً يتمتع بالكفاءة المهنية والتوازن النفسي والقدرة على ضبط النفس في أصعب الظروف، في إطار احترام صارم للحقوق والحريات التي يقرها الدستور والقانون.
ويستوجب هذا المسار التكويني الجمع بين البعد النظري والتطبيق الميداني، من خلال دورات تكوينية أساسية ومستدامة، تهدف إلى إعداد رجل أمن مثقف، عقلاني، ومندمج في محيطه الاجتماعي، قادر على اتخاذ القرار الصائب، ومؤهل للتعامل مع مختلف الحالات والمواقف.
رهان القصر الكبير.. تكوين من أجل عقلنة الممارسة الشرطية
في مفوضية الشرطة بمدينة القصر الكبير، يواجه جهاز الأمن تحديات مركبة تتطلب تفعيل الرؤية التكوينية في شقها التطبيقي، خاصة فيما يخص الرتب المسؤولة وعلى رأسها رئيس الهيئة الحضرية، الذي يشكل حلقة مركزية في تدبير الأمن اليومي بالمدينة.
ويؤكد مختصون أن نجاح هذا النموذج الأمني المحلي يمر عبر الالتزام بثلاثية أساسية هي:
- المهنية: في التعامل مع المواطن وفرض النظام بأسلوب قانوني حضاري.
- العقلنة: في اتخاذ القرارات والتصرفات وفق معايير مؤسساتية دقيقة.
- العصرنة: من خلال التفاعل مع التقنيات الحديثة والانخراط في التحول الرقمي.
إن التحديات الأمنية الراهنة، خاصة في المدن النامية مثل القصر الكبير، تستدعي من المؤسسة الأمنية المغربية اعتماد رؤية إصلاحية شاملة تجعل من التكوين أداة فعالة لإعادة هيكلة المهام، وضبط الأولويات، وتحقيق الجودة في الأداء الشرطي.
تكوين رجل الأمن لم يعد ترفاً أو مجرد إجراء إداري، بل ضرورة وطنية لضمان أمن المواطنين واحترام كرامتهم، وتعزيز الثقة بين المجتمع ومؤسساته الأمنية.

