زكرياء البوشيخي
الشباب المغربي يمتلك وعيا سياسياً، ويكترث بالمسألة الحقوقية والحريات أساساً للعيش المشترك وللعقد الاجتماعي، على الرغم من غيابه عن الانتماء الحزبي والمشاركة العضوية. وطالما كانت للشباب المغربي أدوار مهمة في الشأن السياسي حيث يمثل الشباب المغربي رصيداً استراتيجيا كبيراً، ويحث الخطى نحو آفاق الحرية والكرامة الإنسانية، يجب أن تكون المشاركة السياسية للشباب كثيفة وفعالة، غير أن إحصائيات للمندوبية السامية للتخطيط في المغرب تفيد بأن 70% من الشباب لا يثقون في جدوى العمل السياسي، و5% يؤمنون بالعمل الحزبي، و1% فقط يزاولون الفعل السياسي من داخل الهيئات السياسية، بينما يشكل الشباب 40% من الكتلة الناخبة.
يرجع انكفاء الشباب المغربي عن المشاركة السياسية إلى أعطاب بنيوية في المجال السياسي، انطلاقا من إرث ثقيل للماضي، كانت فيه الممارسة السياسية مرادفا للاعتقال والقمع. ومع أن هنالك مجهودات حثيثة بذلت لطي صفحات الانتهاكات الحقوقية، عبر مصالحة وطنية وجبر للضرر، إلا أن صورة العمل السياسي مازالت تعاني من أثر الفترات السابقة. ويعاني الحقل السياسي المغربي من ظاهرة تناسل الأحزاب المصاحبة لتماثل إيديولوجي في المرجعيات والبرامج السياسية، وذلك ناجم عن صراعات داخلية متعددة حول الارتقاء في المناصب والترشيحات الانتخابية، مع وجود فساد نخبوي كبير، يعيق التواصل مع المجتمع، ويضعف العرض السياسي المقدم للمواطنين.
وثمة التعامل الانتهازي للأحزاب مع الشباب المغربي، فيتم استحضار قضايا الشباب عند الاستحقاقات الانتخابية بخطاب سطحي، ومجاف للحقيقة، حتى يقضون وطرهم منها بالحصول على المغانم السياسية، عوض التوفر على رؤية رصينة ومتكاملة الأركان، ترصد مشكلات الشباب وانتظاراتهم، وتصوغ مشروعاً مجتمعياً يحقق تطلعاتهم، بإدماج الفاعل الشبابي في السياسات العامة شريكاً، وليس هدفاً لتلك السياسات، وتمكينه داخل الأحزاب لتبوء المراكز القيادية، ولحمل مشعل الانتقال الديمقراطي في المغرب.
إجمالا، تنعكس حالة الإفلاس السياسي على الشباب بإحباط واسع، فقد كشفت إحصائيات أن الأحزاب غير معروفة لديه، حيث ذكر واحد من خمسة أنه لم يسمع بأي حزب، وستة أحزاب هي المعروفة عند الشباب، ويجهلون قيادتها وإيديولوجياتها، كما يرفض 80% من الشباب الانضمام إلى حزب معين. ويجد الشباب المغربي نفسه أمام انسداد سياسي، يفتح الباب لهجرة في التاريخ وفي الجغرافيا. فهناك من يفضل عبور البحار، بحثاً عن ملاذ يؤمن له مستقبلاً زاهراً، ويتيح له فرصة لتحسين معارفه وصقل مواهبه، ويتسم بمناخٍ يحفظ حرية الفكر والإبداع. وهناك من يهاجرون تاريخيا فراراً من اليأس والبؤس، للخلاص في الآخرة، بعد أن أصبحت الدنيا جحيماً في أعينهم، فيتجهون نحو التطرف الديني والإرهاب، ويصير النقل بديلاً للعقل، والتكفير بديلا للتفكير.
حيث يحمّل بعضهم الشباب مسؤولية الغياب عن الساحة السياسية في المغرب، خصوصاً أن هناك شباباً ذا كفاءة، ولديه إلمام كبير بالسياسة، لكنه يرفض ممارساتها ويفضل الانطواء. بينما يرى شباب في المجتمع المدني ضالته للتغيير والإنجاز الحضاري، وتظهر استجابته الفعالة قوة اقتراحية وتقويمية للأداء العام، وتطفو عفويته الصادقة في مبادرات إنسانية خلاقة في المغرب. في حين يبدو النسيج الجمعوي معرّضاً لعمليات تدجين، تجعله واهناً وخاضعاً للوصاية والتبعية، فيتحول المجتمع المدني إلى عميل مزدوج، يعادي السياسة باسم الديمقراطية، ثم يدير ظهره للديمقراطية، باسم كونها معركة سياسية.
ختاما، تحتاج إشكالية المشاركة السياسية للشباب إلى مقاربة أفقية وشاملة، تتعاطى مع قضاياهم من كل الزوايا، لأن المسألة تستوجب القطيعة التامة مع ممارسات الماضي التي ما فتئت تتحرش بالمستقبل، بدل المهادنة والتعامل بمنطق حالة الطوارئ عند الفترات العصيبة، بتقديم حلول للمثالب والإكراهات، تجعل من الشباب منحةً، لا محنةً على الوطن.

