spot_img

ذات صلة

كل المقالات

رامي مخلوف… من إمبراطور المال السوري إلى سجين الإقامة الجبرية

بقلم: الصحافي حسن الخباز

عاد رامي مخلوف، أحد أبرز رجال الأعمال في سوريا، إلى واجهة الأحداث الدولية بعد أن نشرت صحيفة “فاينانشال تايمز” تحقيقاً مطولاً عن مسيرته، تحت عنوان: “رامي مخلوف، من القمة إلى الهاوية”، تطرقت فيه إلى الكيفية التي راكم بها ثروته الهائلة، والتي جعلته في وقت من الأوقات من أغنى أغنياء العالم، قبل أن ينهار كل شيء عقب اندلاع الثورة السورية.

صعود رامي مخلوف إلى قمة الاقتصاد السوري تزامن مع تولي بشار الأسد السلطة عام 2000، وهو ما وفّر أرضاً خصبة لعائلة مخلوف، خاصة مع غياب الخبرة السياسية والاقتصادية للرئيس الجديد. والده محمد مخلوف، خال بشار، لعب دور المستشار الخفي وعراب الإمبراطورية المالية لعائلة الأسد، حيث خطط للسيطرة على المفاصل الحيوية للاقتصاد السوري، وعلى رأسها قطاعات النفط والاتصالات والبنوك والعقار.

في ظرف سنوات قليلة، سيطرت عائلتا الأسد ومخلوف على أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي السوري، الذي بلغ آنذاك حوالي 60 مليار دولار. وقد بلغت الثروة المجتمعة للعائلتين قرابة 10 مليارات دولار، وهو ما يشير إلى مدى التغلغل الذي حققته هذه الشبكة العائلية خلال السنوات الأولى من حكم بشار الأسد.

رامي، الذي بدأ نشاطه التجاري مبكرًا تحت إشراف والده، استغل فترة العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا لتهريب المواد الأساسية من لبنان وتركيا، مستفيدًا من حصانته العائلية. كما نسج شبكة علاقات قوية داخل أجهزة الدولة، بل وتزوج من ابنة محافظ درعا آنذاك، وليد عثمان، لتوسيع نفوذه السياسي.

في عام 2008، قُدرت ثروة رامي مخلوف بنحو 6 مليارات دولار، وكان يملك شركة “سيريتل”، أكبر شركة اتصالات في البلاد، إلى جانب استثمارات في قطاعات متعددة، منها المصارف والأسواق الحرة والمناطق التجارية على الحدود. وفرض نفسه كمحتكر لعلامات تجارية عالمية، مثل “مرسيدس”، بعدما فرض قانونًا يمنع الشركة الألمانية من تصدير قطع الغيار إلى سوريا ما لم تمنحه الوكالة الحصرية.

نشاطه المالي امتد خارج البلاد بعد اغتيال رفيق الحريري، حيث بدأ في تحويل الأموال نحو وجهات استثمارية بديلة، الأمر الذي اعتبره محللون محاولة للبحث عن ملاذ آمن تحسبًا لأي تقلبات سياسية.

لكن إمبراطوريته لم تسلم من الاتهامات، ففي 2008، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية تقريراً وجهت فيه لرامي اتهامات بالفساد، واستغلال النفوذ، واحتكار الاقتصاد السوري، وحتى باستخدام أجهزة الأمن لترهيب المنافسين. ومع اندلاع الثورة السورية سنة 2011، واتهامه بدعم النظام لوجستياً ومالياً في قمع الاحتجاجات، فُرضت عليه عقوبات أوروبية مباشرة، كانت بداية النهاية.

سعى النظام السوري إلى التضحية به لامتصاص الغضب الشعبي، فصدر قرار بالحجز على ممتلكاته ومنعه من السفر، كما تمت مصادرة “جمعية البستان”، التي كانت غطاءً لنشاطه المالي والإنساني، وأُغلق الباب في وجهه داخل الحكومة، وتم تعيين حارس قضائي على “سيريتل”. وفي سنة 2020، وصلت الأزمة ذروتها حين وُضع تحت الإقامة الجبرية بأوامر من بشار الأسد شخصياً، في مشهد مفاجئ وصادم للرأي العام السوري.

لاحقًا، خرج رامي مخلوف عن صمته من خلال سلسلة فيديوهات نشرها من داخل منزله، متحدثاً مباشرة إلى بشار الأسد، ومؤكداً أنه يتعرض لمؤامرة من “الدائرة الضيقة” المحيطة بالرئيس، التي تسعى لتجريده من نفوذه وثروته.

إن قصة رامي مخلوف ليست مجرد حكاية رجل أعمال نافذ، بل هي مرآة تعكس نمط الحكم في سوريا، حيث تختلط المصالح العائلية بالقرارات السيادية، ويُدار الاقتصاد بمنطق الولاء قبل الكفاءة. من رجل قوي في الظل يتحكم في مفاصل الدولة، إلى متهم ومغضوب عليه، تُجسد هذه الرحلة ما يحدث عندما تتغير الموازين داخل الأنظمة المغلقة.

رامي مخلوف سقط من قمة الهرم إلى قاع العزلة، ليصبح شاهداً حياً على تقلبات السلطة والمال في دولة يعيش اقتصادها على شفا الانهيار.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا
Captcha verification failed!
فشل نقاط مستخدم captcha. الرجاء التواصل معنا!
spot_imgspot_imgspot_imgspot_img