spot_img

ذات صلة

كل المقالات

زورونا كل سنة مرة .. واقع الإنتاج بالقنوات العمومية ..

رشيد صفـَـر


يعرف قطاع الإنتاج التلفزيوني العمومي بالمغرب، مجموعة من المشاكل من بينها الاحتكار وعدم تكافؤ الفرص وتحول منتجين منفذين ومخرجين لمؤلفين على “المقاس”، وتهميش الرواد والطاقات الشابة ولازمة “تعانو معانا”، دون أن ننسى التحديات التي تواجه المعدين والفنانين والفريق التقني أثناء عمليات التصوير، خاصة عندما يتعلق الأمر ببرامج ومسلسلات موجهة لقناة عمومية، تتطلب جودة عالية واحتراما للهوية الثقافية وذكاء المشاهدين، وانسجام الصورة مع الميزانية المخصصة من المال العام.
العارفين بخبايا الإنتاجات التلفزيونية والسينمائية، يعلمون أن من بين أبرز التحديات أيضا، إكراهات الإعداد القبلي وعدم أداء مايعرف بـ “الديفريمون” الذي أصبح بعبع أغلب المنتجين المنفذين، ومشاكل التصوير في فضاءات خارجية، والتنسيق اللوجستيكي، واحترام الجدولة الزمنية، وضمان انسجام الفرق التقنية والفنية مع روح المشروع، والأنكى من ذلك كله غياب العقود بين المنتج المنفذ ومهنيي القطاع في العديد من المشاريع الخاصة والإنتاجات التي تصنف في خانة الصفقات العمومية.
وجدير بالذكر أن من أهم الترتيبات التي يمكن أن تساهم في إصلاح القطاع، زيارة مواقع التصوير من طرف ممثلين عن المؤسسة المانحة للميزانية، كما هو الحال بالنسبة للأعمال المدعمة من طرف المركز السينمائي المغربي، الذي يحرص على تلقي ملفات عقود المهنيين، وبيان أداء مستحقاتهم، قبل تقديم الدفعات المالية للشركة الحاصلة على الدعم العمومي لإنجاز فيلم سينمائي، وهذا الإجراء لا تقوم به إدارة القنوات، بل يبقى المهني في مواجهة شركة تنفيذ الانتاج لتحصيل مستحقاته في آجال غير واضحة، تتسم غالبا بالفوضى والتماطل، في ظل غياب أو تغييب نقابة مهنية تحفظ حقوق المهني، أمام جشع بعض المنتجين المنفذين..
وفي خطوة لافتة خلال السنة الماضية، قام عبد الله الطالب علي، المدير الجديد للقناة الأمازيغية، بزيارة ميدانية لمواقع تصوير بالناظور، للاطلاع على سير العمل، وتقييم ظروف التصوير والإمكانيات المسخرة، لإنجاز بعض الإنتاجات التلفزيونية لفائدة القناة الأمازيغية. وقد التقى خلال هذه الزيارة بعدد من الأطر التقنية والفنية والممثلين، واستمع إلى شروحات دقيقة حول ظروف التصوير والإمكانات اللوجستيكية المتوفرة، مع تسجيل ملاحظات تُثمن الجهود المبذولة وتدعم مواصلة الاشتغال في نفس الاتجاه.

وتعد مثل هذه الزيارات خطوة ضرورية لتتبع سير الإنتاج بشكل مباشر، وخلق تواصل فعّال بين إدارة القناة والشركات المنفذة، مما يعزز من جودة الأعمال المعروضة على شاشة القناة، ويؤكد أهمية الرقابة المهنية المواكِبة، لا فقط في المكاتب، بل في مواقع التصوير.

ومن هذا المنطلق، يُعتبر فتح قنوات تواصل دائمة، مع تنظيم زيارات مفاجئة أو دورية لمواقع التصوير، أحد أدوات الحكامة الجيدة في مجال تدبير قطاع الإنتاج الخارجي في قنوات القطب العمومي، لضمان الجودة، والتتبع، والوفاء بالتزامات دفتر التحملات، في احترام تام لهوية القناة ومطالب جمهورها وحقوق المهنيين.

إن إعادة بناء الثقة بين القنوات الوطنية العمومية والمهنيين، لا يمكن أن تتحقق فقط عبر مشاهدة وانتقاد ما يبث على الشاشات، بل عبر الحضور في مواقع العمل، والإنصات للمشاكل، وتثمين الجهود، والتدخل عند الضرورة. لذلك يمكن اعتبار زيارة مدير القناة الأمازيغية لموقع تصوير أعمال تلفزيونية بالناظور، بداية لعُرف مهني جديد ومفيد .. أي زيارات دورية، غير معلنة، تؤكد أن قبول المشروع المقدم لطلبات العروض ونجاحه، لا ينتهي فقط بعد المرور من “سيرفيس دو مارشي” ولجنة القبول ومناقشة “الدوفي”، بل أيضا بعد الالتزام بشروط العمل المهني، وتمكين المهنيين من أدوات وظروف الاشتغال الجيدة ومدهم مستحقاتهم في آجال قانونية، بعيدا عن التماطل وقهر المهني، إذ يجهل الكثير من المنتجين المنفذين ومسؤولي شركات الانتاج وأغلب المهنيين أنفسهم، أن الاشتغال بصفة حرة، المعروفة بعبارة “فري لانس” أي العمل بالقطعة la tache التي حولها المغاربة لكلمة “العطاش”، يستوجب أداء المستحقات كل 15 يوم من العمل، حسب مضمون المادة 364 من مدونة الشغل، وإذا كان الشغل يتطلب مدة تفوق 15 يوما، يمكن تحديد تواريخ أداء الأجر باتفاق بين المشغل “الباطرون” والمهني “الأجير”، شرط أن يحصل الأجير على دفعات مسبقة (أقساط) كل 15 يوما، ويجب أن يحصل على أجره كاملا، في غضون 15 يوما من تسليم العمل المنجز..
وكي نقوم بإسقاط هذا البند القانوني على قطاع الإنتاج التلفزيوني أو السينمائي، سوف نقدم مثالا تطبيقيا :
إذا كان فني أو تقني يعمل على الاسهام في تنفيذ إنتاج حلقات تلفزيونية أو فيلم تلفزيوني أو سينمائي، وكان العمل عليها يمتد لأكثر من 15 يوما، فلا يمكن تأخير صرف الأجر إلى ما بعد نهاية المشروع بالكامل، بل يجب صرف دفعة مالية للمهني على الأقل كل 15 يوما خلال العمل، ثم تصفية الأجر الكامل المتفق عليه المعروف بالـ “كاشي”، في أجل أقصاه 15 يوما بعد تسليم العمل، علما أن أداء المستحقات يكون أسبوعيا بالنسبة للتصوير السينمائي وأيضا في أغلب الإنتاجات التلفزيونية بالنسبة للتقنيين، لكن بالنسبة للمعد والسيناريست والممثل فغالبا ما يكون التماطل هو سيد الموقف.
هذه المادة القانونية، تضمن كرامة الأجير في كل القطاعات وتوفر له الحد الأدنى من التوازن النفسي والمادي، وهو ما ينبغي أن يتم تفعيله بشكل مؤسساتي، وأن تتبناه القنوات العمومية كشرط من شروط التأشير على الصفقات العمومية، انسجاما مع ربط الحصول على الصفقة، بالمواكبة والتتبع من طرف إدارة القناة، والتدخل حين اختلال ميزان صرف المال العام وتضرر المنتوج والمهني من العشوائية ولازمة “ضرب طيًَح” التي تنتهجها بعض شركات تنفيذ الانتاج.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا
Captcha verification failed!
فشل نقاط مستخدم captcha. الرجاء التواصل معنا!
spot_imgspot_imgspot_imgspot_img