spot_img

ذات صلة

كل المقالات

كان U20.. تعادل بطعم الصدارة لمنتخب الأشبال قبل موقعة تونس.

متابعة ايوب الهوري. واصل المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة...

القصر الكبير.. نحو رؤية تقدمية لتكوين رجل الأمن وتعزيز المهنية الشرطية

القصر الكبير – رضى العلوي. في ظل التحديات الأمنية...

القصر الكبير.. الأمن المدرسي تحت المجهر وسط تفاقم مظاهر الانحراف بمحيط المؤسسات التعليمية.

القصر الكبير تحولت محيطات عدد من المؤسسات التعليمية بمدينة القصر...

سلسلة الواقع والمواقع , الحلقة 29 : جريمة تتحول إلى نكتة عند بعض رواد السوشيال ميديا !!!.

الواقع والمواقع … سلسلة مقالات ننشرها حصريا في جريدة “ديريكت بريس”، للتسلية والترفيه وأيضا للتوعية والتثقيف. نرصد من خلالها تفاصيل حدث خلق ضجة اعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لنتتبع تأثيره على ردود أفعال المواطنين وصناع القرار في العديد من دول العالم.

بقلم : رشيد صفـَـر

الحلقة 29 : جريمة تتحول إلى نكتة عند بعض رواد السوشيال ميديا !!!.

في زمنٍ رأينا فيه الدم يُراق على الأرصفة في الواقع، والضحك يقصف العيون من مدافع الشاشات في المواقع، تحوّلت فاجعة بن احمد “اكتشاف أشلاء جثتين تم أيضا التمثيل بهما”، إلى “فيديوهات فكاهية” و”سطوريات مستفزة”، وأضحت هذه المأساة فرجة غير مقبولة، في عصر الفراغ وسط أمواج منصات التواصل الاجتماعي …
من قلب مدينة ابن أحمد، حيث طُعنت الحياة في وضح النهار، لا لأن القاتل دبر فعلته بمكر مختفيا عن الأنظار، بل لأن العديد من الناس صاروا هواة للعبة الصمت والتطبيع مع العنف ..
فهل ينتظر الضاحكون الجريمة التالية ليسخروا منها، أم يأتي التدخل الاستباقي قبل وقوعها !؟.

في تناولنا لهذه الخبر المؤلم، لن نكتفي بالسرد، بل سنُقشر جلد الواقعة حتى تظهر عظام الحقيقة : كيف يمكن أن تتحوّل المدن في بعض الأحيان إلى مسارح دم، و فئة عريضة من المجتمع إلى جمهور يضحك متناسيا هول الفاجعة !؟.

بداية الحكاية

في يوم الجمعة 25 أبريل 2025، تحوّلت مدينة “بن أحمد” غرب المغرب، إلى مسرح رعب حقيقي، بعد أن بدأت الرائحة تفضح ما أخفته أكياس بلاستيكية سوداء.
ابن أحمد، المدينة الصغيرة التي تحلم بالهدوء، استفاقت على كابوس لم تكن تتوقعه، فبدت كأم فقدت ابنين من أبناءها بطريقة غادرة ..
جثتان مقطعتان، موزعتان في أكياس سوداء ومدفونتان بحفر بمراحيض مسجد و وسط حقول و بجانب مدرسة، ومشتبه به واحد، معروف بعدوانيته لدى كل سكان الحي.
كان القاتل يمارس من حين لآخر مهام العناية بركن الوضوء داخل المسجد المعروف بالمنطقة بإسم المسجد الأعظم.
كانت التحقيقات قد قادت إلى المشتبه به وتم اعتقاله ..
هو رجل أُحيل مرارا على مصلحة الأمراض العقلية، لكن كان في كل مرة يعود للحي والمسجد، بلا متابعة، وكأنّ حالته لم يكن يتحمل مسؤوليته أحد.
لم تكن الشكايات ضده قليلة، بل متكررة، كما صرح بعض السكان لوسائل الإعلام، لكن يبدو أن تلك التبليغات، كانت تُرمى في سلة ” كم حاجة قضيناها بتركها”، حتى صارت “تلك الحاجة” أكبر من أن تُحتوى وتحولت لمحتوى على منصات التواصل الاجتماعي عند البعض.

المثير أن هذا الحادث أعاد فتح جرح الصحة النفسية بالمغرب، ودفع نائبا برلمانيا إلى مساءلة الحكومة :
أين المستشفى؟
أين الأطباء؟
ما الاستراتيجية؟
ومن يحمي المجتمع من من تُركوا في الهامش حتى انفجروا؟ ..
بينما تتحدث الإحصائيات الرسمية عن انخفاض في الجريمة بنسبة 10% سنة 2023، يصر الواقع على أن الأرقام قد لا تحكي كل شيء في المواقع.

تقليد غير موفق !!!

ما زاد الطين بلّة، هو أن الحادثة في أغلب التفاعلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لم تفتح نقاشا رزينا حول الوقاية واليقظة المجتمعية، بل تحوّلت إلى مادة للتنكيت والتقليد على الويب.
الكوميديا الرقمية بلغت ذروتها عندما تداول رواد السوشيال ميديا، فيديوهات تقليد أحد الشهود، بعد تصريحه المثير لميكرفونات منابر إعلامية بنبرة ارتباك : “درت جنوية تحت مني وجريت معاه”، في إشارة من الشاهد إلى شكوكه المبكرة تجاه سلوك القاتل، وهو التصريح الذي اختُزلت فيه الجريمة كاملة عند البعض، بدل التفكير في دلالاتها العميقة.

أين كانت الأسرة؟
أين كانت السلطات المحلية؟
هل أصبح بيننا أناس يستهلكون العنف كمنتوج بصري، دون أدنى حسّ بالمسؤولية؟.

لقد كشفت الفيديوهات المنتشرة في منصات التواصل الاجتماعي، أن ما كان يُفترض أن يكون شرارة لنقاش عميق، حول أهمية التبليغ عن المؤشرات السلوكية الخطرة .. وتفعيل آليات الوقاية المجتمعية والأمنية، تحوّل إلى مادة ترفيهية.

ما وقع يُجسد انزياحا خطيرا في سلّم الأولويات الرقمية، غابت النقاشات الجوهرية حول مسؤولية المجتمع ومؤسساته، في التعامل مع إشارات الإنذار المبكر، لمثل هاته الحالات الخطيرة العدوانية والحوادث المؤلمة.
حضر التهكم الممزوج بالتقليد كآلية دفاع نفسية جماعية، تُعيد إنتاج اللامبالاة، وتغذّي ثقافة التطبيع مع العنف، رغم أن كل من صُدم بالحادث مدعو للتساؤل عن مواضع الخلل والدعوة إلى تدخلات استباقية تمنع تكرار المأساة.

المجرم عاقل أم مجنون !؟

إلى حدود كتابة هذا المقال، لا توجد تقارير رسمية تؤكد إصابة المتهم بمرض نفسي مشخّص. لكن بعض الشهادات المحلية تشير إلى أنه كان معروفا بسلوكيات عدوانية مقلقة، وأنه سبق التبليغ عن حالته قبل الجريمة، الأمر الذي يُثير تساؤلات حول دور الأسرة والسلطات ومجلس المقاطعة والجمعيات المختصة، في التعامل مع حالته قبل أن تتحول إلى كارثة.

لدراسة هذا الحدث يجب التوقف عند الأحكام الشرعية وأيضا الإطار القانوني، المنظم للمسؤولية الجنائية في حالة وجود اختلال عقلي..
من المنظور الديني .. القتل العمد يُعد من أشد الكبائر في الإسلام، حيث قال الله تعالى :
“وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا” .. (سورة النساء، الآية 93).
لكن يقر الإسلام كذلك بقاعدة “رفع القلم عن ثلاث” من بينهم المجنون حتى يعقل، كما ورد في الحديث النبوي الشريف : “رُفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل” .. (رواه أبو داود والترمذي).
وينص الفصل 134 من القانون الجنائي المغربي على أن “من كان وقت ارتكاب الفعل في حالة فقدان للعقل بسبب مرض عقلي أو خلل عقلي أثبته الخبراء، لا يُعتبر مسؤولا جنائيا”.
ويعني هذا أن القاضي قد يُقرر إحالة المتهم على مصحة عقلية بدل إصدار عقوبة حبسية، بشرط أن تؤكد الخبرة الطبية وجود خلل ذهني، أي بعد التحقق من كون القاتل مجنون.

من منظور علم الاجتماع، لا تُفهم هذه الجريمة إلا في سياق ما يسميه عالم الاجتماع “إميل دوركايم” بـ”الأنومي”، أي اختلال المعايير داخل المجتمع، وهنا تظهر أربعة ملامح بارزة :

أولا : الفشل في التدخل المبكر، إذ رغم أن القاتل كان معروفا بسلوك مقلق، لم تتدخل قبل الحادثة في وقت مناسب، أي جهة لتقويم وضعه أو عرضه على المختصين مرة أخرى والتأكد من أنه في حالة عقلية سليمة، و يمكن أن يتعايش مع السكان صغارا وكبارا .. دون أن يشكل عليهم خطرا.

ثانيا : الوصم النفسي الخطير، فما زالت الأمراض النفسية في الذاكرة الجماعية لأغلب الناس تُربط بالعار، ما يدفع العائلات لإخفاء الحالات المرضية عوض طلب المساعدة.

ثالثا : الخلل البنيوي في الإنذار المجتمعي، ويمكن تلخيصها في غياب اليقظة الأمنية والمجتمعية القادرة على اكتشاف الخطر قبل وقوعه.

رابعا : تحرك الجهات المسؤولة أمنيا غالبا ما يكون لاحقا، لا استباقيا، ما يجعلها تتدخل بعد وقوع الضرر.

الحلول !!!

جريمة ابن أحمد يجب أن تُقرأ باعتبارها إنذارا لفشل المنظومة بأكملها، وليس فقط انحرافا فرديا.
ومن هنا تبرز الحاجة إلى اعتماد رؤية شمولية تقوم على مراجعة القوانين المتعلقة بالإيواء الإجباري للمرضى العقليين الخطيرين، وتوضيح شروط وإجراءات تطبيقها، مع تفعيل متواصل لدور النيابة العامة بالتنسيق مع الجهات المختصة في تتبع الحالات السلوكية المقلقة قبل أن تتحول إلى تهديد حقيقي، و بناء سياسة وطنية للصحة النفسية، تجعل العلاج النفسي في متناول المواطنين الذين يعانون من هذه الأمراض العقلية، بعيدا عن الوصم أو العائق المالي، أي دون السقوط في فخ الوصم النفسي، أحد أكبر معيقات العلاج، إذ يُنظر للمريض النفسي كـ”مختل خطير” لا يجب الاقتراب منه رغم أنه يجول في الحي بشكل يومي، مما يدفعه وأسرته لإخفاء حالته تفاديا للعار الاجتماعي. أما العائق المالي، فيتمثل في ارتفاع كلفة العلاج النفسي، وغياب خدمات نفسية عمومية مجانية أو مدعومة في كل المناطق، مما يجعل الرعاية النفسية حكرا على العائلات الميسورة، والنتيجة هي أن المريض يُقصى مرتين، مرة بسبب نظرة المجتمع و مرة ثانية بسبب قلة ذات اليد، مما يُحوّل الحالات القابلة للعلاج إلى كوارث قد تنتهي بجريمة، لذلك يبقى نجاح السياسة الوقائية الحقيقية رهينا بكسر هذا الحصار المزدوج : “النفسي -الاجتماعي”، و”الاقتصادي”.

ما وقع في ابن أحمد يمكن أن يعتبره البعض جريمة معزولة، لكنه أيضا نتيجة لفشل متراكم على المستويين الاجتماعي والمؤسساتي.
الرد يجب أن يكون وقائيا، لا عقابيا فقط، عبر بناء شبكة حماية مجتمعية تُدمج فيها المقاربة القانونية بالعلاج النفسي والدعم الاجتماعي، قبل أن تتحول مثل هذه الجرائم إلى كوارث دورية تُعلن إفلاسنا الجماعي.

في سلسلة “الواقع والمواقع”، لا نكتب لنرصد فقط، بل لنفهم كيف تعكس المنصات الرقمية ثقافة تتهرّب من مواجهة الحقيقة، وتحتمي بالضحك بدل الوعي بأهمية الوقاية والتدخلات الاستباقية.

ولأن كل مأساة غير مفهومة، ولا يتم تجفيف منابعها، تبقى قابلة للتكرار في غفلة من الجميع … نكتب لنتدارك، قبل أن تصبح شوارعنا مسرحا مفتوحا لمخلفات كارثية لحالات الجنون، وتغريداتنا مرآة لفشلنا المجتمعي .. فلكنا مطالبون بتكذيب هذه الظنون ..
كل من موقعه ومسؤوليته إزاء الوطن .. في الواقع و في المواقع ..

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا
Captcha verification failed!
فشل نقاط مستخدم captcha. الرجاء التواصل معنا!
spot_imgspot_imgspot_imgspot_img