الواقع والمواقع … سلسلة مقالات ننشرها حصريا في جريدة “ديريكت بريس”، للتسلية والترفيه وأيضا للتوعية والتثقيف. نرصد من خلالها تفاصيل حدث خلق ضجة إعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لنتتبع تأثيره على ردود أفعال المواطنين وصناع القرار في العديد من دول العالم.
بقلم: رشيد صفـَـر
الحلقة 20 : انروح للمغرب .. روووح !!!.
في 9 أبريل 2025، انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيديو صادم من مخيمات البوليساريو بتندوف، يظهر مشهدا يختزل بعمق التوترات الاجتماعية والسياسية في المنطقة. في الفيديو، وثق المشهد جنودا جزائريين يحملون رشاشاتهم مهددين مجموعة من الأشخاص، حيث نطق صحراوي بعد اشتباك المدنيين العزل مع الجنود بكلمات تعبر عن يأسه : “كاتقتلو ولادنا .. نروحو المغرب .. نروح للمغرب !؟”.
جاء رد الجندي الجزائري في الحين دون تفكير، بنبرة قاسية: “روووح”.
ما الذي وقع بالضبط !؟
ولماذا أكد الشخص الصحراوي أنه يود الرحيل للمغرب !؟.
الاشتباكات بين الجنود وأشخاص عزل
ما لم تلتقطه الكاميرا في ذلك الفيديو ولم يعمم في مواقع التواصل الاجتماعي، هو شن القوات الجزائرية لهجوم عنيف على منقبين صحراويين بالقرب من مخيم في تندوف، إذ أسفر الحادث عن مقتل شابين وإصابة 9 آخرين، ثلاثة منهم في حالة خطيرة. كان الحادث نتيجة للتنقيب عن الذهب في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الصحراويون في المخيمات، التي تعاني من البطالة والفقر المدقع. لم تكن هذه المرة الأولى، إذ تكرر وقوع حوادث مماثلة في 2022 و 2024، مما يعكس حالة من القهر والتهميش المتزايد بالمنطقة وهذا الواقع دفع شباب المخيمات إلى تعريض حياتهم للخطر من أجل البقاء على قيد الحياة، إذ أصبحوا هدفا لتجار الممنوعات والجماعات المحاورة عالميا بمنطقة الساحل.
وقد دعت منظمات حقوقية المنتظم الدولي، إلى تدخل عاجل لحماية الصحراويين في مخيمات تندوف، مطالبة بتوفير الدعم الإنساني والموارد الحيوية.
حوار قصير وراءه تحليل طويل
تعبير “نروح للمغرب” الذي استخدمه المواطن الصحراوي في حديثه مع الجندي الجزائري، والذي يعني باللهجة الجزائرية وبعض المناطق المغربية مثل وجدة، “سأذهب للمغرب” أو “سأرحل للمغرب”، ليس مجرد كلمات عابرة، بل يمثل هذا الموقف رغبة ملحة في العودة إلى الوطن الأم.
الرغبة الحقيقية في العودة للوطن
بينما تتزايد الضغوط على الصحراويين في المخيمات من جانب النظام الجزائري، يبقى المغرب هو الخيار الأوحد بالنسبة لهم، فهو يمثل الأمل في حياة أفضل بعيدا عن القيود المفروضة عليهم. العودة إلى المغرب تعني أكثر من مجرد العودة لموقع جغرافي ينتمون إليه، إنها عودة للكرامة والفرصة الحقيقية للعيش في طمأنينة وسلام.
هذه الكلمات التي نطق بها الصحراوي في الفيديو ليست مجرد تعبير عن رغبة شخصية، بل تجسد حلما جماعيا للعديد من الصحراويين الذين يسعون للحرية والعيش الكريم بعيدا عن الجحيم الذي يعيشونه في مخيمات تندوف.
قوانين حقوق الإنسان وتدخّل المجتمع الدولي
القانون الدولي، وبخاصة اتفاقية جنيف للاجئين، يفرض على الدول توفير الحماية لللاجئين وتلبية احتياجاتهم الأساسية. ومن هذا المنطلق، يجدر بالمجتمع الدولي تكثيف الضغط على الجزائر لفتح المجال أمام الحلول السلمية والإنسانية للصحراويين في المخيمات. كما أن تقارير منظمات مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أكدت على ضرورة توفير الحماية العاجلة للصحراويين الذين يعيشون في ظروف غير إنسانية تحت سيطرة بوليساريو والجزائر.
بين الفيديو والرد الجزائري
الفيديو الذي انتشر في 9 أبريل 2025 يكشف جليا العلاقة بين المخيمات والنظام الجزائري. رد الجنود الجزائريين يعكس تجاهلهم التام لحقوق الإنسان وللدعوات الدولية المستمرة لحماية الصحراويين.
وسائل التواصل الاجتماعي: قوة في مواجهة التضليل الإعلامي
في زمن التكنولوجيا الحديثة، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة جديدة لمكافحة التضليل الإعلامي. الفيديو الذي انتشر ليس فقط وثيقة حية للحدث، بل شكل دليلا قاطعا يفضح الانتهاكات التي تحدث في مخيمات تندوف. لقد قدمت مواقع التواصل الاجتماعي بديلا للمعلومات المنقوصة التي تروجها الجزائر، وأصبح هذا الفيديو سلاحا في يد الصحراويين الذين يسعون لتوثيق معاناتهم.
ينما تستمر محاولات التضليل الإعلامي من قبل الجزائر، تظل وسائل التواصل الاجتماعي ساحة مفتوحة لتوثيق الحقيقة. في النهاية، سيظل المغرب دائمًا “الوطن الغفور الرحيم” الذي يحتضن أبناءه، بعيدا عن الضغوط السياسية والظروف القاسية، التي تم إجبار هؤلاء الصحراويين على العيش فيها.