عبد الإله شفيشو – فاس
في قلب جبال الريف، تبرز شفشاون، تلك المدينة الساحرة التي نالت لقب سادس أجمل مدينة في العالم. بأزقتها الزرقاء المميزة وهدوئها الآسر، تبدو وكأنها جنة معلقة. ولكن خلف هذا الجمال الأخاذ تكمن حقائق مؤلمة لا يمكن التغاضي عنها. شفشاون ليست فقط مدينة الزوار والمصورين، بل هي مسقط رأس الآلاف ممن يعانون واقعًا مريرًا لا يعكس تلك الصورة الوردية.
الاقتصاد والاجتماع: بين الإمكانات المهدورة والتهميش المستمر
شفشاون، بحكم موقعها ومواردها الطبيعية، كانت لتصبح نموذجًا للتنمية المستدامة. إلا أن السياسات المتبعة حولتها إلى منطقة تعيش على هامش التنمية الحقيقية. يعاني الإقليم من تهميش اقتصادي صارخ، حيث تتحكم مصالح ضيقة ولوبيات اقتصادية في مقدراته، في ظل غياب الرقابة والمحاسبة.
النتيجة هي سوق مختلة تفتقر للتنافسية، مع انتشار مظاهر الاحتكار التي تطال أهم الموارد، مثل الغذاء والعقار وحتى القطاعات التقليدية التي كانت مصدر رزق للكثيرين، كالصناعات الحرفية.
الثقافة والرياضة: منارة الماضي التي أُطفئت
شفشاون، التي كانت في يوم من الأيام منبرًا ثقافيًا بارزًا تصدر المبدعين والمفكرين إلى الساحة الوطنية والدولية، أصبحت اليوم رمزًا للبؤس الثقافي. الأنشطة الثقافية التي كانت تُقام بانتظام، كالمهرجانات الأدبية والفنية، اختفت لتحل محلها ثقافة التفاهة والعزوف عن كل ما هو هادف.
أما الرياضة، فقد طالتها يد الإهمال، إذ تم تحويل المنشآت الرياضية إلى مشاريع تجارية، مما قضى على آمال الشباب الذين كانوا يجدون في الرياضة متنفسًا وحافزًا للتميز.
السياسة: حينما تغيب الإرادة وتحكم المصالح
لا يختلف الوضع السياسي في شفشاون عن باقي المناطق المهمشة، حيث تسود الهيمنة المركزية على حساب الإرادة المحلية. الأحزاب، رغم انتشار مقراتها ولافتاتها، لم تستطع أن تكون صوتًا حقيقيًا للسكان. بدلًا من ذلك، أصبحت أداة شكلية تُستخدم في تزيين المشهد السياسي، دون تأثير فعلي على القرارات المصيرية.
السلطات الإقليمية تبقى اللاعب الأساسي، حيث تُدار الشؤون المحلية وفق مصالحها، مع غياب رقابة حقيقية على أداء المنتخبين، الذين غالبًا ما يظهرون عاجزين عن تحقيق أي تغيير ملموس.
التحديات والآمال: شباب القدّيسة وأمل الغد
رغم هذه التحديات العميقة، لا يزال الأمل قائمًا. شباب شفشاون، الذين يعانون من مثلث مأساوي يتمثل في المخدرات والانتحار والهجرة، بدأوا في التعبير عن طموحاتهم والإصرار على تحسين أوضاعهم. نشر ثقافة التمسك بالحياة، والعمل على طرح بدائل تنموية، باتت أبرز ملامح نضالهم لاستعادة مدينتهم.
المجتمع المدني اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية كبيرة. عليه أن يكون ركيزة للتغيير، يُحارب التزييف، ويُعيد لشفشاون دورها التاريخي كمنارة فكرية وثقافية ورياضية.
شفشاون ليست مجرد لوحة فنية خلابة، بل مدينة تستحق أن تنال نصيبها من التنمية الحقيقية. هي بحاجة إلى خطط شاملة تُنصف سكانها، وتُعيد الحياة لمرافقها، وتُعيد لها مكانتها التاريخية. وفي مقالات قادمة، سنخوض في قضايا محورية مثل ظاهرة الانتحار، الهجرة، وتقنين زراعة القنب الهندي، لنكشف عن عمق التحديات التي تواجه هذا الإقليم الساحر.