✍️ بقلم: الصحافي حسن الخباز
أعادت جنرالات الجزائر إحياء واحد من أكثر رجالات النظام غموضًا وإثارة للجدل: الجنرال عبد القادر آيت أبو عرابي، المعروف بلقبه الشائع “الجنرال حسان”. القرار جاء دون سابق إعلان أو توضيح رسمي، لا بلاغ عن إعفاء السابق، ولا إشارة عن تعيين اللاحق، في استمرار لسلسلة الغموض التي تلف مؤسسات الدولة الجزائرية، خصوصًا الأمنية منها.
في تقرير مثير لمجلة لوبوان الفرنسية، شبّه الصحافي الجزائري فريد عليلات عودة “الجنرال حسان” بما حدث في فيلم “The Revenant” أو “العائد”، للنجم ليوناردو ديكابريو، الذي نال بفضله جائزة الأوسكار. الجنرال، الذي سبق أن سُجن خمس سنوات بعد إدانته بتهم تتعلق بـ”إتلاف وثائق ومخالفة التعليمات العسكرية”، عاد إلى المشهد من بعيد، قادماً من زنزانة بسجن البليدة العسكري، حيث أقصاه قائد الأركان السابق أحمد قايد صالح، وتركه ليواجه “نهاية مهينة لمسيرة دامت نصف قرن في خدمة الاستخبارات ومكافحة الإرهاب”.
“الميت الحي” يعود إلى صدارة القرار الأمني
تعيين الجنرال حسان على رأس المديرية العامة للأمن الداخلي، خلفًا للجنرال عبد القادر حداد (المعروف بـ”ناصر الجن”)، تم دون إعلان رسمي. لا بيان عن الإعفاء، ولا مرسوم عن التعيين. حتى الإعلام الرسمي لم يتطرق للموضوع، كما لو أن الأمر يتعلق بشأن شخصي داخل شقة خاصة، لا بمؤسسة استخباراتية ترسم ملامح السياسة الأمنية لدولة بحجم الجزائر.
عودة حسان أعادت إلى الواجهة عدة أسئلة حارقة:
- ما دوافع إعادة رجل أقصي وسُجن بتهم أمنية؟
- ما المهام الجديدة الموكلة إليه؟
- هل الأمر مجرد رد اعتبار؟ أم تكتيك لمواجهة مستجدات قادمة؟
- والأهم: ما مصير الجماعات الإسلامية المسلحة التي تشكل محور عمل الجهاز الاستخباراتي منذ عقود؟
الجزائر… بلا مذكرات ولا شفافية
تقرير “لوبوان” أشار إلى أن “الجن”، الذي كان أحد أبرز رموز محاربة الإرهاب إلى جانب “حسان”، غادر إلى إسبانيا سنة 2015 بعد سقوط نظام بوتفليقة، ليبتعد عن عدسات الرادار، في ظل تصفية الحسابات بين الأجنحة الأمنية، خاصة مع بروز الجنرال قايد صالح و”قسَمه” على اجتثاث كل من له صلة بـ”الجنرال توفيق” (الاسم الحركي لمحمد مدين).
اليوم، بعد سنوات من الصمت، يخرج “حسان” من عزلته، ويعود من “القبر الأمني” الذي دفن فيه… لكن دون تفسير. ودون توضيح للرأي العام الجزائري، الذي يُعامل كما لو أنه قاصر سياسيًا لا يحق له معرفة من يحكمه، ومن يراقبه، ومن يدير ملفاته الأمنية الحساسة.
فوضى استخباراتية؟ أم إعادة هيكلة صامتة؟
ما يحصل اليوم في الجزائر يدفع إلى التساؤل:
- هل دخلت البلاد مرحلة إعادة تدوير الوجوه الأمنية؟
- أم أن مرحلة أمنية صعبة تلوح في الأفق، تتطلب “أصحاب الخبرة القديمة”؟
- هل هي مواجهة جديدة مع الحركات الإسلامية، أم استعداد لتوترات إقليمية محتملة؟
في ظل الغموض، تبقى التكهنات مفتوحة، ولكن المؤكد أن النظام الجزائري يواصل تعامله مع الشعب بمنطق التعتيم والحجر، رافضًا فتح أي نافذة للشفافية أو المحاسبة. فهل تصمد الجزائر أمام هذا الغموض؟ أم أن “البركان الصامت” سينفجر قريبًا؟ خصوصًا في ظل احتقان اجتماعي، وأزمات اقتصادية، وشبه غياب للمؤسسات المنتخبة ذات الشرعية.