✍️ بقلم: حسن الخباز
في خطوة فجّرت نقاشًا عالميًا واسعًا، كشفت الصين حقيقة لطالما تجاهلها الرأي العام الدولي، حينما فضحت تورط كبريات الشركات الأمريكية والعالمية في تسويق منتجات عادية الصنع بأسعار خيالية، مُستغلة بريق علاماتها التجارية وسطوة سمعتها على المستهلكين، خصوصًا في العالم العربي.
العالم بات اليوم على بيّنة بأن الكثير من المنتجات التي تحمل توقيع ماركات فاخرة وتُباع بأثمنة خيالية، لا تكلف في الحقيقة سوى دولارات معدودة، حيث يتم تصنيعها في الصين بتكلفة زهيدة قبل أن يُعاد تغليفها وتسويقها بأسماء عالمية تُباع بأضعاف مضاعفة. وهو ما اعتُبر “الصفعة التجارية الكبرى” التي تلقاها المستهلكون المهووسون بالعلامة بدل القيمة.
المثير في القضية أن الفضيحة لم تكن مفاجئة بالنسبة لمن يتتبعون عن قرب سلاسل الإنتاج العالمية، لكن التوقيت الذي خرجت فيه هذه الحقائق للعلن، والمكان الذي خرجت منه – الصين – جعلا وقعها أشد وأعمق، خصوصًا أنها جاءت في سياق توتر تجاري طويل بين بكين وواشنطن.
ومع هذا الانكشاف، أُثيرت أسئلة جوهرية حول مستقبل هذه الشركات العالمية التي بنت مجدها على “ماركتينغ” استهلاكي يُروّج للوهم أكثر مما يُقدّم الجودة، كما طُرحت تساؤلات حول مدى قدرة الشعوب، خصوصًا في الدول العربية، على مراجعة علاقتها بالاستهلاك القائم على “العلامة”، بدلًا من “القيمة الحقيقية”.
ويبدو أن الأزمة لن تكون تجارية فقط، بل ستتخذ أبعادًا اجتماعية وثقافية، بعدما أصبحت قناعة “صنع في الصين” مرادفًا للجودة، لا للرداءة كما كانت تُقدّم في الدعاية الغربية لعقود. فكيف سترد الولايات المتحدة على هذا التحول؟ وهل ستعيد هذه الضربة الحسابات حول “من يصنع فعلاً، ومن يُسوّق فقط”؟
في ظل هذه التطورات، تترقب الشعوب رد فعل الحكومات، خصوصًا تلك التي تستهلك أكثر مما تُنتج. فهل تعي الشعوب العربية درس الفضيحة، وتتجه نحو الوعي الاستهلاكي المنتج؟ أم أن الهوس بالماركات سيتغلب على واقع الحقائق الصادمة؟
هي بداية مرحلة جديدة من التوازنات التجارية والرمزية… مرحلة قد تعيد للعقل صوته في زمن تسوّقه فيه الشعارات أكثر من المضامين.