بقلم: رجاء العلوي .ـ ديريكت بريس مغرب
تعيش الجزائر منذ سنوات على وقع مفارقة سياسية نادرة في السياق الدولي: تعيين مسؤولين أمنيين وعسكريين كبار في مواقع حساسة مباشرة بعد الإفراج عنهم من السجون، حيث كانوا يقضون عقوبات ثقيلة بتهم تتعلق أساساً بالفساد وسوء استخدام السلطة.
وفق معطيات متداولة، بلغ عدد الجنرالات الجزائريين الذين مرّوا من المؤسسة العقابية في العقد الأخير رقماً صادماً يتجاوز 250 مسؤولاً، وهي سابقة في التاريخ السياسي والعسكري لأي دولة في العالم. وهذا الرقم ليس مجرد مؤشر إحصائي، بل يلقي بظلال ثقيلة على بنية الدولة الجزائرية، ويطرح تساؤلات ملحّة حول المنطق المؤسساتي في التعيينات الحساسة.
التناوب المريب بين المسؤولين “السابقين للمحاكم” بات نمطاً شبه دائم: جنرال يُسجن، ثم يُطلق سراحه، ليُعاد تعيينه في موقع استراتيجي، قبل أن يُزاح لاحقاً ليحل محله جنرال آخر خرج حديثاً من السجن هو الآخر. وكأن السجن أصبح ممرّاً وظيفياً إلزامياً، أو بطاقة عبور نحو مفاصل القرار الأمني والعسكري.
من الأمثلة الصارخة، تعيين الجنرال حسن على رأس المديرية العامة للأمن الداخلي، بعد خمس سنوات قضاها خلف القضبان، ليحل محل الجنرال عبد القادر حداد المعروف بلقب “ناصر الجن”، والذي تم اعتقاله قبل أيام قليلة بتهم ثقيلة. والمثير أن هذه الظاهرة لا تقتصر على الجنرالات، بل تشمل مسؤولين مدنيين أيضاً ممن تحوم حولهم شبهات فساد وتبديد المال العام.
هذه الدورة الغريبة بين السجن والسلطة، تكشف – حسب مراقبين – عن أزمة عميقة في منطق الحكم والمؤسسات الجزائرية، وتطرح علامات استفهام حول فاعلية “حملات التطهير” المعلنة، ومدى صدق الخطاب الرسمي في محاربة الفساد، خاصة في ظل تضارب التصريحات الرسمية وتكرار نفس الأسماء في مواقع القرار.
هذا الواقع يطرح ضرورة إعادة تعريف طبيعة الدولة الجزائرية الحديثة، التي تبدو، في نظر العديد من المحللين، وكأنها دخلت مرحلة ما يُمكن تسميته بـ”الدولة العكسية”، حيث يتحول الفساد من تهمة إلى شهادة خبرة، ويصبح السجن سيرة ذاتية مثيرة للإعجاب في دوائر القرار.
وفي ظل هذا السياق، لا غرابة أن يفقد المواطن الثقة في المؤسسات، وأن تتآكل صورة الدولة داخلياً وخارجياً، ما لم تُقدم الجزائر على إصلاح سياسي ومؤسساتي جذري يُعيد ترتيب أولويات الحكم، ويربط المسؤولية بالمحاسبة الحقيقية، لا بالدورات العقابية.