القصر الكبير
تحولت محيطات عدد من المؤسسات التعليمية بمدينة القصر الكبير إلى بؤر مقلقة لسلوكيات منحرفة تهدد الأمن التربوي، وسط مطالب متزايدة بتدخل عاجل من السلطات الأمنية وتعزيز جهود الوقاية المجتمعية، لضمان فضاءات تعليمية آمنة ومحفزة.
وفي الوقت الذي تشكل فيه المدرسة ركيزة أساسية في بناء الإنسان وتنمية الرأسمال البشري، يواجه الفاعلون التربويون والأسر تحديات جسيمة، بسبب تصاعد مظاهر العنف، وترويج المخدرات، وسلوكيات جانحة باتت تُسجّل بشكل متكرر في محيط بعض المؤسسات، خاصة خلال فترات ما بعد الزوال.
ثانوية الطبري.. مشهد متكرر كل جمعة
بحسب ما عاينته الجريدة، تتحول جنبات السور الخلفي لثانوية الطبري الواقعة بحي بلاد الهواري، كل يوم جمعة بعد الزوال، إلى نقطة سوداء يتجمع فيها عدد من القاصرين وحتى البالغين، لممارسة أفعال مخلة تتراوح بين تعاطي الممنوعات وسلوكيات لا أخلاقية، في غياب تدخل رادع ومستمر من الجهات المعنية.
وأعرب عدد من أولياء الأمور والتلاميذ عن قلقهم إزاء هذا الوضع الذي يسيء إلى سمعة المؤسسة، ويؤثر سلبًا على التحصيل الدراسي، ويهدد السلامة النفسية والجسدية للتلاميذ، مطالبين بتكثيف الدوريات الأمنية وتوفير مراقبة قارة خلال الفترات الحساسة.
جهود أمنية مهمة وتحديات مستمرة
في هذا السياق، تعمل المديرية العامة للأمن الوطني على تنفيذ استراتيجية وطنية لحماية المؤسسات التعليمية، تشمل تسيير دوريات أمنية منتظمة، وتفعيل برامج تحسيسية لفائدة التلاميذ داخل المؤسسات، بشراكة مع الأطر التربوية وجمعيات المجتمع المدني.
غير أن هذه التدخلات، على أهميتها، تصطدم بعوائق متعددة من بينها محدودية الموارد، واتساع نطاق المخاطر المرتبطة بالمحيط المدرسي، وتطور وسائل استدراج التلاميذ نحو سلوكيات غير سوية، مما يجعل الحاجة ملحة إلى مقاربة مندمجة.
مقاربة تشاركية… ضرورة ملحة
يرى مهتمون بالشأن التربوي والأمني أن حماية الوسط المدرسي لم تعد مسؤولية حصرية للمؤسسات الأمنية، بل تقتضي انخراطاً جماعياً يشمل الأسر، والجمعيات، والمؤسسات التعليمية، والسلطات الترابية، عبر سلسلة من الإجراءات الاستباقية والوقائية، أبرزها:
- تكثيف الحضور الأمني بمحيط المؤسسات، خاصة في الفترات الحرجة.
- تنظيم حملات تحسيسية منتظمة تستهدف التلاميذ وأسرهم.
- توفير أنشطة ثقافية ورياضية تملأ أوقات فراغ التلاميذ وتبعدهم عن الانحراف.
- تفعيل أدوار مجالس المؤسسات وجمعيات الآباء في تتبع الوضعيات المقلقة.
المدرسة فضاء للأمان والتنمية
لا يخفى على أحد أن المدرسة تشكل رافعة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة، وتحصين المجتمع من الجريمة والانحراف. ومن هذا المنطلق، فإن جعل الفضاء التربوي آمناً ومؤهلاً يُعد مسؤولية وطنية تتطلب تعبئة جماعية.
ويبقى السؤال المطروح بحدة: إلى متى ستظل بعض المؤسسات التعليمية ومحيطها رهينة لممارسات منحرفة تهدد مستقبل الأجيال؟ وهل نشهد قريباً خطوات أكثر حزمًا للحد من الظواهر التي تنخر جسد الفضاء المدرسي في مدينة القصر الكبير؟