بقلم: حسن الخباز – مدير جريدة “الجريدة بوان كوم”
بين فقدان ثقة المواطن المغربي في الفاعلين السياسيين، ومحاولات إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل الاستحقاقات التشريعية المقبلة لسنة 2026، تبرز حكمة المؤسسة الملكية مرة أخرى كموجه للمشهد، من خلال تكليف وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، بدل رئيس الحكومة، بملف الحوار السياسي والإعداد المبكر للانتخابات، وهي إشارة قوية لا تخلو من دلالات عميقة.
فقد كشفت نتائج استطلاع للرأي تداولته منصات إعلامية وتفاعلت معه مواقع التواصل الاجتماعي، أن فئة كبيرة من المغاربة لا تضع ثقتها لا في رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش، ولا في عبد الإله بنكيران، أو نزار بركة، أو حتى فاطمة الزهراء المنصوري. بل إن العديد من المستجوبين عبّروا عن عزوفهم التام عن التصويت، وهو مؤشر مقلق يعكس عمق الهوة بين الشارع والسياسيين.
ورغم هذا السياق السلبي، أظهرت بعض التفاعلات الشعبية بريق أمل في شخصية سياسية واحدة، هي الدكتورة نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، والتي ما تزال تحظى بتفاعل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، ويُنظر إليها من قبل جزء من الرأي العام كصوت صادق وغير متورط في ممارسات سابقة أو سوء تدبير.
وبالعودة إلى خطاب العرش الأخير، فقد أظهر الملك محمد السادس إدراكا مبكرا لحالة الانفصال بين المواطن والمؤسسات، حيث دعا إلى الإعداد الجيد للانتخابات المقبلة، وكلف وزير الداخلية شخصيًا بالإشراف على العملية، عوض رئيس الحكومة، في خطوة تُترجم الثقة الملكية في رجل تكنوقراطي مستقل، عرف بنجاحه في تدبير استحقاقات سابقة وحياده عن منطق الاصطفاف الحزبي.
وقد عقد لفتيت بالفعل اجتماعين متتالين مع قادة الأحزاب السياسية، في بداية شهر غشت الجاري، ناقش فيهما الخطوط العريضة للإعداد للعملية الانتخابية المقبلة، وفق منظور جديد يتماشى مع توجيهات العاهل المغربي الرامية إلى استعادة الثقة في المؤسسات التمثيلية، وتوفير مناخ سياسي شفاف ومبني على مصداقية البرامج والكفاءات.
هذه الدينامية الملكية، وإن كانت مؤطرة زمنياً بهدف اعتماد القوانين المنظمة قبل نهاية 2025، إلا أنها تعكس قناعة راسخة بأن الوضع الحالي يتطلب أكثر من مجرد انتخابات تقنية، بل عملية سياسية تصحيحية شاملة تبدأ من تطهير الحقل السياسي من الممارسات المشينة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والانفتاح على كفاءات نظيفة تحظى باحترام المغاربة.
وفي هذا السياق، تبرز دعوات بعض المواطنين لترشيح شخصيات سياسية جديدة ونزيهة، كنوع من التمرّد الناعم على النخب التقليدية التي عجزت عن الوفاء بالتزاماتها. ومن بين التعليقات التي رصدت على شبكات التواصل:
“اللهم أبعدهم عنا جميعا، فهم يتشابهون في النتائج ويختلفون فقط في الأساليب”،
“نريد معتوق أو منيب، فهما وجهان لقول الحقيقة في زمن التزوير”،
“بدون محاسبة، ستبقى دار لقمان على حالها، ولن يتغيّر شيء”.
الرسالة واضحة: الناخب المغربي فقد الثقة، لكنه لم يفقد الأمل كليًا. والكرة اليوم في ملعب الأحزاب التي عليها أن تُراجع ذاتها وتستجيب لتطلعات المواطن، أو تفسح المجال أمام وجوه جديدة تُعيد للسياسة معناها الحقيقي.
وفي خضم هذا المشهد المتقلب، يبدو أن تعويل المؤسسة الملكية على وزير الداخلية في هذه المرحلة المفصلية، قد يكون هو المفتاح للعبور إلى مرحلة سياسية أكثر نضجًا وتوازنًا، تُعيد الاعتبار للثقة الشعبية التي باتت عملة نادرة في سوق السياسة المغربية.