بقلم: الصحافي حسن الخباز – مدير جريدة الجريدة بوان كوم
يواصل أسطول الحرية، الذي أطلق عليه نشطاء اسم أسطول الصمود، رحلته الشجاعة لفك الحصار المفروض على غزة، متحدياً الأمواج العاتية والظروف الجوية القاسية التي تقف عائقاً أمام مساره. الأسطول، الذي يضم نحو 70 باخرة وسفينة، انطلق من ميناء برشلونة الإسباني، وسط اهتمام عالمي غير مسبوق، ومساندة واضحة من عمال موانئ إيطاليين تعهدوا بوقف أي باخرة متجهة نحو إسرائيل في حال تم اعتراض الأسطول أو الاعتداء عليه.
وفي تطور لافت، نقلت قناة الجزيرة عن مصادر ميدانية أن طائرات مسيّرة مجهولة الهوية تحلّق على ارتفاع متوسط فوق الأسطول، في مشهد أثار المخاوف من احتمال تعرضه لاعتداء مشابه لما وقع لأساطيل سابقة حاولت كسر الحصار دون أن تنجح في ذلك. غير أن المراقبين يرون أن هذه المبادرة تختلف عن سابقاتها، سواء على مستوى الإعداد أو الزخم الإعلامي والسياسي الذي رافقها منذ انطلاقتها.
على منصات التواصل الاجتماعي، حظيت الرحلة بتفاعل واسع من مختلف أنحاء العالم، حيث عبّر رواد هذه المنصات عن تضامنهم مع شعب غزة ودعمهم القوي لهذه المبادرة الإنسانية، في مقابل انتقادات حادة لمواقف العديد من الحكومات العربية والإسلامية التي وُصفت بـ”المتخاذلة” تجاه مأساة القطاع. واستشهد الكثير من النشطاء بالآية القرآنية الكريمة: “وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم”، في إشارة إلى أن الأمل هذه المرة جاء من شعوب أوروبية وغربية بعيدة عن العالم الإسلامي.
في المقابل، برزت أصوات مشككة في نوايا الدول الأوروبية الداعمة لهذا التحرك، معتبرة أن ما يحدث لا يتعدى كونه لعبة سياسية بين أوروبا من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها، ومن بينهم إسرائيل وبريطانيا وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، من جهة أخرى. وذهب هؤلاء إلى أن أوروبا قد تكون بصدد استخدام ملف غزة كورقة ضغط لإعادة تشكيل التوازنات السياسية في المنطقة، وليس فقط بدافع إنساني محض.
ورغم هذا الجدل، يبقى الواقع في غزة كارثياً، حيث يعاني السكان من تجويع ممنهج أتى على الأخضر واليابس، بينما ينشغل جزء كبير من الشعوب العربية بمتابعة مباريات كأس إفريقيا وكأس آسيا، متجاهلين المعاناة اليومية التي يعيشها الفلسطينيون. وهو ما دفع عدداً من المعلقين إلى تحميل الشعوب العربية والإسلامية جزءاً من المسؤولية، معتبرين صمتها نوعاً من التواطؤ غير المباشر مع استمرار الحصار.
في خضم هذه الأحداث، يظل أسطول الصمود رمزاً للأمل، ورسالة قوية بأن هناك من يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، حتى لو جاء ذلك الدعم من قلوب عواصم أوروبية علمانية بعيدة عن العالم العربي والإسلامي. وبين من يراها مبادرة إنسانية خالصة ومن يعتبرها ورقة سياسية، تبقى أنظار العالم مشدودة إلى البحر الأبيض المتوسط، مترقبة مصير هذه الرحلة التي قد تشكل منعطفاً جديداً في مسار كسر الحصار عن غزة.