✍️ بقلم: الصحافي حسن الخباز
عاش الآلاف من زبناء البنك الشعبي ليلة سوداء، بعد أن تفاجؤوا باختفاء أرصدتهم من حساباتهم البنكية على تطبيقات الهاتف والموقع الرسمي للبنك. الصدمة لم تكن عادية، إذ أن جل الحسابات أظهرت رصيدا بقيمة “0 درهم”، دون سابق إنذار أو تفسير، ما خلق حالة ذعر واسعة ترجمتها مئات التدوينات على وسائل التواصل الاجتماعي.
الواقعة التي هزت الثقة في أحد أضخم البنوك بالمملكة، أعادت للأذهان سيناريوهات سابقة مشابهة، منها ما عرفه بنك CIH قبل أشهر، حين تم الحديث عن محاولة قرصنة وُوجهت بتكتم غامض. وها هو البنك الشعبي اليوم يسقط في المحظور ذاته: فقدان الأرصدة دون بلاغ رسمي واضح، وارتباك غير مبرر في التواصل.
صدمة وارتباك شعبي
مع تصاعد البلاغات من المستخدمين حول أرصدتهم “المعدومة”، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي صور ملتقطة من تطبيقات “بوكيت بنك” و”شعبي نيت” تُظهر الصفر الكبير الذي خيم على حسابات كانت تنبض بالحياة قبل لحظات. تساءل الزبناء: أين ذهبت أموالنا؟ وهل نحن أمام قرصنة إلكترونية أم مجرد عطب تقني داخلي؟
بلاغ مقتضب يزيد الغموض
وسط هذا الزخم والغليان الشعبي، أخرجت إدارة البنك الشعبي بلاغاً مقتضباً تؤكد فيه وجود أشغال صيانة تقنية، دون تقديم أي توضيحات حول طبيعة العطب، أو سلامة المعطيات الشخصية، أو مصير العمليات البنكية الجارية. زاد البلاغ من قلق الزبناء بدل أن يطمئنهم.
ومع التزايد المطرد للأسئلة، عاد البنك ببلاغ ثانٍ يؤكد أن “الأمور عادت إلى طبيعتها”، موجها الشكر لزبنائه على ما أسماه “تفهمهم”، بينما كان هؤلاء يطالبون بشفافية وتفسير لا بعبارات إنشائية.
فشل تواصلي صارخ
لقد كشفت هذه الأزمة مرة أخرى عن هشاشة البنية التواصلية للمؤسسات البنكية المغربية، إذ بدل أن تبادر بإبلاغ زبنائها مسبقاً بوجود أشغال صيانة، وتوفر لهم بدائل أو على الأقل إشعارا احترازيا، اختارت الصمت، وترك الزبناء يواجهون مصيرهم وحدهم أمام “الفراغ البنكي”.
كما أن غياب خطة طوارئ واضحة، وعدم اشتغال الشبابيك الأوتوماتيكية خلال فترة العطب، ضاعف من حجم المعاناة، خاصة وأن الحادث وقع مساء السبت، وهو توقيت حساس يتزامن مع حاجيات السفر والتنقلات والمصاريف العائلية الأسبوعية.
مؤسسات مالية في مفترق الطرق
المقلق في كل هذا أن الحادث ليس الأول من نوعه، ويبدو أن الرقمنة البنكية في المغرب تنمو بشكل أسرع من قدرتها على التكيف مع مخاطرها. ولعل الحادث الأخير مؤشر صارخ على ضرورة مراجعة البنية الرقمية والتواصلية لهذه المؤسسات، والرفع من كفاءتها الأمنية واللوجستيكية.
في المقابل، يُطرح سؤال جوهري: من يضمن حقوق الزبناء في مثل هذه الحالات؟ ومن يطمئنهم على أرصدتهم؟ وهل تفكر مؤسساتنا البنكية في إنشاء لجان يقظة رقمية وخلية أزمة مواكبة لمثل هذه الأعطاب المفاجئة؟
ختامًا…
ما حدث لا يمكن اعتباره مجرد “عطل تقني عابر”، بل هو ناقوس خطر يفرض على البنوك المغربية إعادة النظر في طريقة تدبيرها للثقة الرقمية. فالخدمة البنكية اليوم ليست فقط تحويل الأموال وسحبها، بل هي أيضًا أمان، شفافية، وسرعة في التواصل. وما حدث للبنك الشعبي قد يعصف بمصداقية مؤسسة عمرها عقود، إن لم يتم تداركه بجدية ومسؤولية.
ويبقى السؤال الأهم: هل تعلّمت الأبناك الدرس؟ أم أن الزبون سيظل الحلقة الأضعف في سلسلة رقمية لا ترحم؟

