“الواقع والمواقع “… سلسلة مقالات ننشرها حصريا في جريدة “ديريكت بريس” للتسلية والترفيه وأيضا للتوعية والتثقيف، حيث نرصد من خلالها تفاصيل حدث خلق ضجة إعلامية كبيرة، انطلاقا من مواقع التواصل الاجتماعي، لنتتبع خيوط تأثيره على ردود أفعال المواطنين وصناع القرار في العديد من دول العالم.
بقلم : رشيد صفــَـر
الحلقة 6: الاعتداء على طبيب بعد طرده من طائرة أمريكية
في 9 أبريل 2017، وجدت شركة الطيران الأمريكية “يونايتد إيرلاينز”، إسمها في قلب عاصفة من الجدل والغضب، بعد انتشار فيديو صادم يوثق لحظة سحل وتعنيف طبيب فيتنامي الأصل، اسمه “ديفيد داو”، أثناء طرده من طائرة بالقوة من طرف موظفي الأمن، وقد وقع الحادث على متن طائرة كانت متجهة من شيكاغو إلى لويزفيل بولاية “كنتاكي”، وكان على متنها تقريبا 70 راكبا، وكان موظفو الشركة وعناصر الأمن قد تعاملوا مع الطبيب بأسلوب وحشي، معتبرين الأمر إجراء عاديا، بعد رفض “ديفيد داو” مغادرة الطائرة بشكل طوعي.
فما سبب الحادثة !؟
وماذا وقع بعد انتشار مقطع الفيديو !؟
و كيف بررت “يونايتد إيرلاينز” موقفها بعد الحادثة !؟.
في يوم الحادث ظن موظفو الأمن بالطائرة، أن عملية طرد الطبيب من الطائرة إجراء إداري عادي، بعد رفضه مغادرتها، لكن تحولت الحادثة إلى أزمة عالمية، بعدما انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو صادم، صوره بعض الركاب، ويظهر فيه الطبيب وهو يُجرُّ على أرضية الطائرة بعنف، و وجهه مصاب بكدمات و ينزف دما، بينما كان يصرخ من شدة الألم. الواقعة أثارت غضبا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، ووضعت شركة الطيران “يونايتد إيرلاينز” في موقف لا تُحسد عليه، وتضررت سمعتها وطنيا ودوليا، إذ وُجهت إليها اتهامات بالتمييز والعنف المفرط ضد الركاب.
بداية القصة
تم اتخاذ قرار إخلاء الطائرة بعد أن كان هناك “حجز زائد للمقاعد”، حيث كان من الضروري أن يتم إخراج بعض الركاب حتى تتمكن الطائرة من الإقلاع، خلال البحث عن سبل لمواجهة الأمر بحزم، ثم اختيار الدكتور “ديفيد داو” وثلاثة ركاب آخرين ليغادروا الطائرة، ورغم عرض تعويض مالي للمسافرين الراغبين في التخلي عن مقاعدهم، إلا أن “ديفيد داو” رفض بقوة متشبثا بحقه في السفر بعد أن حجز سابقا مقعدا بالطائرة، مما دفع موظفي الطائرة إلى استدعاء ضباط الأمن، الذين قاموا بسحبه بالقوة من مقعده، لكن مقاومة الطبيب وإصراره على عدم المغادرة، خلفت إصابته بجروح في وجهه بسبب تعنيف رجال الأمن له، وقد بين الفيديو الذي تم تصويره بواسط الركاب أن الطبيب تعرض للسحل بطريقة عنيفة من مقعده إلى باب الطائرة، ما أثار موجة من الصدمة في العالم.
حملة التضامن مع الطبيب
بعد انتشار الفيديو على منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك، سرعان ما تحول الحادث إلى أزمة كبيرة، بعد تعاطف وتضامن الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع الطبيب “داو”، حيث أطلق المتضامنون حملة واسعة تحت وسم #BoycottUnited، إذ طالبوا بمقاطعة “يونايتد إيرلاينز”.
لم يكن فيديو سحل وتعنيف الطبيب “داو” داخل الطائرة، مجرد لحظة توثيق، بل أصبح أداة ضغط محرجة، جعلت الشركة تواجه انتقادات حادة. لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا رئيسيا في تسليط الضوء على القضية، مما أدى إلى تراكم الضغط الجماهيري على “يونايتد” لتقديم اعتذار علني وتحمل المسؤولية.
ردة فعل الشركة وتعويض الطبيب
لم يكن لدى شركة “يونايتد إيرلاينز” خيار سوى الاعتذار عن الحادثة، إذ قدم الرئيس التنفيذي للشركة، أوسكار مونوز، اعتذارا علنيا عبر بيان مكتوب، وأكد أنه لن يتم تكرار مثل هذا التصرف مستقبلا، كما دخلت الشركة في مفاوضات مع الدكتور “داو” لتعويضه عن الأضرار التي لحقت به لكي يتنازل عن متابعة الشركة قضائيا، حيث تم التوصل إلى تسوية مالية لم يُكشف عن تفاصيلها، ولكنها كانت بمثابة اعتراف من الشركة بالخطأ. بالإضافة إلى ذلك، أجرت الشركة تغييرات جوهرية في سياساتها، خاصة فيما يخص إخلاء الطائرات بالقوة في حالات الحجز الزائد.
الحادثة التي شهدتها طائرة “يونايتد إيرلاينز” أثبتت أن وسائل التواصل الاجتماعي هي أكثر من مجرد وسيلة ترفيهية، إنها قوة ضغط قادرة على التأثير في قرارات الشركات الكبرى أيضا، فمن خلال الضغط الشعبي السريع والعالمي، تم إجبار “يونايتد” على التراجع عن سياستها السابقة، وتقديم اعتذار رسمي وتعويض للطبيب المعني. لقد أظهرت هذه الحكاية كيف يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تحول حادثة عابرة أو مسكوت عنها إلى أزمة عالمية، مما ينتج عنه في الكثير من الحالات، عودة الحقوق لأصحابها ومعاقبة المعتدين، وضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث المرفوضة جملة وتفصيلا.