يشهد التعاون بين المغرب وتركيا في مجال الصناعات الدفاعية تطورًا ملحوظًا يعكس طموح المملكة لتوطين الصناعة العسكرية وتحقيق استقلالية دفاعية شاملة. زيارة إرهان أولجن، مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة الدفاع التركية ASELSAN، تأتي ضمن هذا السياق الاستراتيجي، حيث تُعد الشركة من بين أبرز الشركات العالمية في مجال التصنيع الحربي.
شراكة استراتيجية وأهداف بعيدة المدى
تمثل زيارة وفود شركات الدفاع التركية إلى المغرب خطوة لتعزيز الشراكة بين البلدين، خاصة مع تركيز المغرب على تطوير قاعدة صناعية عسكرية محلية. ووفقًا لعبد الرحمن مكاوي، الخبير في الشؤون العسكرية، فإن هذه الشراكة تأتي ضمن الاستراتيجية الوطنية المغربية التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على الموردين الخارجيين وبناء بنية تحتية قوية للصناعات الدفاعية.
وأوضح مكاوي أن التعاون مع تركيا، التي نجحت خلال عقود قليلة في الانضمام إلى نادي المصنعين العسكريين العالميين، يتيح للمغرب الاستفادة من خبراتها الواسعة في هذا المجال، سواء عبر التزود بالأسلحة المتطورة أو إقامة شراكات تضمن نقل التكنولوجيا وتطوير الكفاءات الوطنية.
قدرات متقدمة وخبرة تركية عالمية
تتميز شركة ASELSAN بخبرتها الواسعة في تصنيع أنظمة متقدمة تشمل الدفاع الصاروخي، الحروب الإلكترونية، والطائرات المسيرة. وقد أظهرت الأسلحة التركية فعاليتها في العديد من النزاعات الدولية، مثل الحرب الأوكرانية الروسية ونزاع أرمينيا وأذربيجان، إضافة إلى دورها في محاربة الجماعات الإرهابية في إفريقيا.
ويرى مكاوي أن انفتاح المغرب على التجربة التركية يمثل فرصة لتسريع تحقيق أهدافه الدفاعية، حيث إن المملكة حققت بالفعل خطوات مهمة في تصنيع الذخائر وقطع الغيار محليًا، بفضل دعم القيادة العليا واهتمام الملك محمد السادس بهذا الورش الاستراتيجي.
نقل التكنولوجيا وبناء القدرات
بحسب هشام معتضد، الباحث في الشؤون الاستراتيجية، فإن التعاون مع شركات تركية مثل ASELSAN يوفر للمغرب أدوات تقنية متطورة تلبي احتياجاته العسكرية. واعتبر معتضد أن نقل التكنولوجيا العسكرية يشكل ركيزة أساسية لهذه الشراكة، ما يفتح آفاقًا لتطوير قدرات إنتاجية محلية وتدريب الكفاءات الوطنية على تشغيل الأنظمة الدفاعية المتقدمة.
وأضاف الباحث أن هذه الشراكة تعكس رؤية المغرب لتعزيز سيادته الدفاعية والاقتصادية من خلال بناء صناعة دفاعية متكاملة توفر فرص عمل وتساهم في رفع مناعة الاقتصاد الوطني.
تنويع الشركاء الدفاعيين
يشير الخبراء إلى أن توجه المغرب نحو تركيا يعكس استراتيجيته لتنويع شركائه الدفاعيين، مما يقلل من اعتماده الحصري على حلفائه التقليديين. ويرى معتضد أن التعاون مع قوى صاعدة مثل تركيا يتيح للمملكة تنويع مصادر التكنولوجيا والأسلحة، بما يتماشى مع مصالحها الوطنية ويعزز مرونتها في اتخاذ قرارات سيادية.
استثمار في المستقبل
يُجمع الخبراء على أن الانفتاح المغربي على الصناعات الدفاعية التركية قد يمثل نقطة تحول في مسار تطوير الصناعة العسكرية بالمملكة. فإلى جانب تلبية الاحتياجات الدفاعية المباشرة، يتيح هذا التعاون فرصًا لإنشاء مشاريع مشتركة تشمل مراكز أبحاث متخصصة في التكنولوجيا الدفاعية والأمن السيبراني، مما يعزز من استقرار البلدين ويخدم مصالحهما المشتركة على المدى الطويل.
خاتمة
يمثل التعاون بين المغرب وتركيا نموذجًا للشراكة الاستراتيجية القائمة على تبادل الخبرات والتكنولوجيا. ومن شأن هذا التوجه أن يعزز موقع المغرب كقوة إقليمية فاعلة، خاصة في ظل التحديات الأمنية الراهنة. ومع مضي المملكة قدمًا في تحقيق اكتفائها الذاتي في مجال الدفاع، فإن هذه الشراكة مع تركيا، وتحديدًا مع شركات رائدة مثل ASELSAN، تعد خطوة واعدة نحو مستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا.