في مشهد يشبه الحلقات الأخيرة من مسلسل درامي طويل، شهدت العلاقات الجزائرية الفرنسية منعطفًا مفاجئًا، حيث تلقى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون اتصالًا هاتفيًا مساء عيد الفطر من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، تبادلا خلاله عبارات الود وتمنيات عيد الفطر المبارك. هذه المكالمة، التي جاءت بعد شهور من التوتر، تعيد إلى الأذهان التقلبات المستمرة في العلاقة بين البلدين، وكأن “كلمة حلوة” وابتسامة دبلوماسية كفيلة بمحو الخلافات العميقة.
كانت الجزائر قد لوّحت مرارًا بإمكانية قطع العلاقات مع باريس، خاصة بعد الموقف الفرنسي من قضية الصحراء. لكن، فجأة، تحولت الأجواء من الغضب إلى “الصراحة الودية”، كما جاء في البيان الرسمي للرئاسة الجزائرية. ناقش الرئيسان “بشكل مطول وصريح” القضايا الثنائية، وكأن الأشهر الماضية لم تكن سوى فترة من سوء التفاهم يمكن تجاوزها بكلمات دافئة وتطمينات دبلوماسية.
لم يقتصر الاتصال على المجاملات، بل أعاد الحديث عن “إعلان الجزائر 2022”، واللجنة المشتركة للمؤرخين التي تعنى بملف الذاكرة، إضافة إلى التعاون الأمني والقضائي وقضايا الهجرة. يبدو أن الزر “إعادة التشغيل” قد فُعل بسرعة، ليعود الحديث عن المصالح المشتركة التي ظلت معلقة طوال فترة التوترات.
ومن بين النقاط المثيرة، دعوة ماكرون لتبون لإطلاق “لفتة إنسانية” تجاه الكاتب بوعلام صنصال، المعروف بآرائه المنتقدة للنظام الجزائري. هل هي محاولة فرنسية لإظهار حسن النوايا؟ أم أنها خطوة لإعادة ترتيب الأوراق السياسية بين البلدين؟
في السادس من أبريل، من المرتقب أن يزور وزير الخارجية الفرنسي الجزائر، في خطوة قد تكون تأكيدًا على التوجه الجديد نحو التهدئة. فبعد شهور من التصعيد الإعلامي والسياسي، يبدو أن الطرفين قررا العودة إلى طاولة المصالح، حيث لا مكان للقطيعة الدائمة، بل فقط تفاوض وتأرجح بين الشد والجذب.
من كان يظن أن اتصالًا هاتفيًا يمكن أن يمحو كل هذا الجفاء بين الجزائر وفرنسا؟ ربما السياسة لا تخلو من الرومانسية، حيث يمكن لـ”كلمة حلوة” أن تفعل ما لم تفعله سنوات من الدبلوماسية المتوترة. لكن يبقى السؤال: هل هذه المصالحة “الشفهية” ستصمد أمام الملفات الشائكة؟ أم أن العلاقة ستعود إلى دائرة التوتر عند أول خلاف جديد؟