spot_img

ذات صلة

كل المقالات

سلسلة الواقع والمواقع .. الحلقة 3: انتحار شابة في مصر بسبب الابتزاز الإلكتروني.

في عصر التطور التكنولوجي والاتصال الفوري، لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي مجرد منصات للتفاعل بين أفراد العائلة والأصدقاء وزملاء العمل فقط، بل أصبحت فضاءً لصناعة وتشكيل الرأي العام، وإشعال النقاشات الكبرى، والتأثير في القرارات السياسية. فقد تتحول تغريدة أو مقطع فيديو قصير إلى قضية وطنية أو أزمة دولية.

“الواقع والمواقع”… سلسلة مقالات ننشرها حصريًا في جريدة ديريكت بريس، تجمع بين التسلية والترفيه، وأيضًا التوعية والتثقيف. من خلالها، نسلط الضوء على أحداث صنعت ضجة إعلامية كبرى انطلاقًا من مواقع التواصل الاجتماعي، لنستعرض تأثيرها على الرأي العام وصناع القرار في مختلف أنحاء العالم.

✍️ بقلم: رشيد صفــَـر


الحلقة 3: انتحار شابة في مصر بسبب الابتزاز الإلكتروني

“ماما، يا ريت تفهميني، أنا مش البنت دي، وإن دي صور متركبة والله العظيم، وقسمًا بالله دي ما أنا”.

بهذه الكلمات، وباللهجة العامية المصرية، ناشدت الفتاة “بسنت شلبي” والدتها، محاولةً إقناعها ببراءتها من صور فاضحة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي. في لحظة يأس، تركت رسالتها الأخيرة، قبل أن تتخذ قرارًا مأساويًا أنهى حياتها.

كانت كلماتها نداء استغاثة، لكنها لم تجد صدى في محيطها، ولم تتلق الدعم الذي تحتاجه، مما أدى إلى وقوع ما لا يُحمد عقباه.

فما هي قصة هذه الفتاة قبل انتحارها؟
وهل كانت الصور التي انتشرت لها مفبركة أم حقيقية؟
وهل تمكنت السلطات من القبض على المتهمين في هذه الجريمة الإلكترونية؟
وكيف كان رد فعل الرأي العام والحكومة المصرية على هذه الفاجعة؟

تفاصيل الواقعة

تعرضت “بسنت شلبي”، الفتاة المصرية البالغة من العمر 17 عامًا، لابتزاز إلكتروني مروع في قريتها كفر يعقوب بمحافظة الغربية. كانت تحلم بمستقبل مشرق، لكن حياتها تغيرت جذريًا عندما بدأ شابان من قريتها بتهديدها بنشر صور ومقاطع فيديو منسوبة إليها.

واجهت “بسنت” ضغطًا نفسيًا رهيبًا، حيث وجدت نفسها محاصرة بين عجزها عن الدفاع عن نفسها وخوفها من نظرة المجتمع القاسية. حاولت إقناع أسرتها ببراءتها، لكن دون جدوى. ومع تفاقم شعورها باليأس، قررت إنهاء حياتها عبر تناول مادة سامة، لتنهي بذلك معاناتها في لحظة مأساوية.

سرعان ما انتشرت أخبار وفاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وأطلق ناشطون هاشتاغ #حق_بسنت_لن_يضيع، مطالبين بمحاسبة الجناة. تحولت القضية إلى رأي عام، وبدأت الأصوات تتعالى للمطالبة بتشديد العقوبات على مرتكبي جرائم الابتزاز الإلكتروني.

لم يمضِ وقت طويل حتى أعلنت وزارة الداخلية المصرية عن اعتقال المتهمين في القضية، وأظهرت التحقيقات أنهم استخدموا صورًا ومقاطع فيديو لابتزاز “بسنت” وتهديدها. خلال جلسات المحاكمة، أثار محامي الدفاع جدلًا كبيرًا عندما ادعى أن الصور ليست مفبركة، بل التقطتها الضحية بنفسها. كما أشار إلى شبهة جنائية في وفاتها، مما فتح الباب أمام تساؤلات إضافية.

تقرير الطب الشرعي كشف عن وجود تمزق في غشاء بكارة الفتاة، لكنه لم يجزم بحدوث اعتداء جنسي بالإكراه. في المقابل، طالب دفاع الضحية بإضافة تهمة “الاغتصاب تحت وطأة الإكراه المعنوي”.

في 10 مايو 2022، أصدرت محكمة جنايات طنطا أحكامًا مشددة على المتهمين، حيث قضت بالسجن 15 عامًا على ثلاثة منهم، و5 سنوات على اثنين آخرين. بعد النطق بالحكم، لم يستطع والد “بسنت” حبس دموعه، وسجد باكيًا في قاعة المحكمة.

أوضحت النيابة العامة أن المتهمين انتهكوا حرمة الحياة الخاصة للضحية ونشروا صورًا دون رضاها، مما دفعها للانتحار تحت وطأة التهديدات المتكررة. كما أكدت أن القضية تندرج تحت جرائم الاتجار بالبشر واستغلال القُصَّر.

لم تكن مأساة “بسنت” مجرد حادثة فردية، بل كانت صرخة تحذير حول مخاطر الابتزاز الإلكتروني. دفعت الضغوط الكبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي الحكومة المصرية إلى الإعلان عن مشاريع قوانين جديدة تُشدد العقوبات على الجرائم الرقمية، كما بدأت المدارس والمراكز الاجتماعية بحملات توعية لحماية الشباب من هذه الظاهرة الخطيرة.

رحلت “بسنت”، لكن قصتها ستظل درسًا قاسيًا حول خطورة الابتزاز الإلكتروني وأهمية التصدي له بحزم. تبقى مواقع التواصل الاجتماعي سلاحًا ذا حدين؛ فهي أداة لنشر الوعي وكشف الظلم، لكنها قد تكون أيضًا ساحة للجرائم والانتهاكات. في النهاية، يظل التضامن المجتمعي والوعي القانوني سلاحين أساسيين لحماية الأبرياء من الوقوع ضحايا لمثل هذه الجرائم.

📌 ترقبوا المزيد من الحلقات الحصرية ضمن سلسلة “الواقع والمواقع” على ديريكت بريس.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا
Captcha verification failed!
فشل نقاط مستخدم captcha. الرجاء التواصل معنا!
spot_imgspot_imgspot_imgspot_img