✍️ بقلم: الصحافي حسن الخباز
عادت قصة “آنه دونغ” إلى واجهة الأحداث الدولية، بعد استخدام قنبلة خارقة للتحصينات في الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران، وسط تساؤلات حول منشأ هذا السلاح الفتاك الذي أثار دهشة العالم من حيث دقته التدميرية وقوته غير المسبوقة.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، فإن العقل المدبر وراء هذه القنبلة ليست سوى امرأة فيتنامية تُدعى آنه دونغ، وتبلغ اليوم 65 عامًا، وصلت إلى أمريكا لاجئة هاربة من جحيم الحرب الفيتنامية، قبل أن تتحول إلى واحدة من أهم العقول العسكرية في وزارة الدفاع الأمريكية.
من لاجئة إلى مهندسة أسلحة فتاكة
بدأت ملامح عبقريتها تظهر منذ طفولتها، حيث عاشت سنوات الحرب بكل قسوتها، وكانت تقف مبهورة أمام مدرعات وجنود الحرب في شوارع سايغون. لم تكن مجرد متفرجة، بل شغفها بالأسلحة دفعها إلى محاكاة تصميماتها وهي في سن السابعة، خاصة بعدما كان شقيقها طيارًا عسكريًا يخوض معارك شبه يومية.
كانت تبكي كلما غادر أخوها في مهمة، وقررت أن تساعده بطريقة غير مألوفة: تصمم له سلاحًا يحميه. وبالقرب من منزل العائلة، كان يوجد مختبر ذخيرة تابع للبحرية الأمريكية، ظل يشعل خيالها العلمي، إلى أن انتهت الحرب وتمكن أخوها من تهريب العائلة إلى الفلبين ومنها إلى الولايات المتحدة.
رد الجميل لأمريكا
وجدت “آنه” في واشنطن الحضن الآمن الذي كانت تحلم به، وسرعان ما التحقت بـجامعة ماريلاند، حيث حصلت على شهادة في الهندسة الكيميائية بدرجة الشرف، ثم نالت ماجستير في الإدارة العامة من الجامعة الأمريكية. وبدأت مسيرتها العملية في البحرية الأمريكية كباحثة علمية.
بفضل ذكائها وتميزها، ترقت بسرعة لتصبح مديرة قسم التطوير المتقدم للذخائر، ضمن مركز الحرب السطحية البحرية – قاعدة إنديان هيد، حيث قادت فريقًا علميًا مهمته تطوير متفجرات عالية الدقة وقليلة الحساسية.
قنبلة BLU-118/B: السلاح السري
وكان من أبرز إنجازاتها تصميم قنبلة “BLU-118/B”، الموجهة بالليزر، والقادرة على اختراق التحصينات الخرسانية والأنفاق تحت الأرض. وقد تم استخدامها أول مرة في أفغانستان لاستهداف مخابئ تنظيم القاعدة بعد أحداث 11 سبتمبر، وتكرّر استخدامها في عمليات حساسة لاحقًا، أبرزها في الهجمات الجوية الدقيقة على مواقع محصنة خلال النزاع الإيراني الإسرائيلي الأخير.
عبقرية علمية من رحم الحرب
قالت “آنه دونغ” في إحدى تصريحاتها:
“وصلنا إلى أمريكا لاجئين فقراء، ووجدنا من يساعدنا ويؤمن بنا… منذ ذلك اليوم قطعت على نفسي وعدًا برد الجميل”.
اليوم، تُعرف “آنه” في الأوساط العسكرية بـ“سيدة القنبلة”، وهي من الأسماء المؤثرة في مجال تطوير الذخائر الذكية، وتعتبر واحدة من النساء القلائل في التاريخ الحديث اللواتي غيرن مسار الحروب من خلال العلم والهندسة.
⸻
📌 قصة آنه دونغ تلخص كيف يمكن للمعاناة أن تصنع النجاح، وكيف يصبح اللاجئ فاعلًا في أعقد ميادين القوة الدولية، وتعيد طرح أسئلة عميقة حول أخلاقيات الحروب… لكن من الناحية التقنية، تبقى هذه السيدة من أبرز من وضع بصمته في عالم الأسلحة الحديثة.