سلسلة الواقع والمواقع ..
في عصر التطور التكنولوجي والاتصال الفوري، لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي مجرد منصات للتفاعل بين أفراد العائلة والأصدقاء وزملاء العمل فقط، بل أصبحت فضاء لصناعة وتشكيل الرأي العام، وإشعال النقاشات الكبرى، والتأثير في القرارات السياسية، فقد تتحول تغريدة أو مقطع فيديو قصير إلى قضية وطنية أو أزمة دولية.
“الواقع والمواقع “… سلسلة مقالات ننشرها حصريا في جريدة “ديريكت بريس” للتسلية والترفيه وأيضا للتوعية والتثقيف، حيث نرصد من خلالها تفاصيل حدث خلق ضجة إعلامية كبيرة، انطلاقا من مواقع التواصل الاجتماعي، لنتتبع خيوط تأثيره على ردود أفعال المواطنين وصناع القرار في العديد من دول العالم.
بقلم : رشيد صفــَـر
الحلقة 9 :صفعة تبعد ويل سميث 10 سنوات عن حفلات الأوسكار
في هذا المقال سنتحدث عن قضية تفجرت في وسائل التواصل الاجتماعي عن النجم العالمي ويل سميث هو ممثل ومغني ومنتج أمريكي وُلد في 25 سبتمبر 1968 في فيلادلفيا، بنسلفانيا. بدأ مسيرته الفنية كفنان راب في الثمانينات قبل أن يحقق شهرة كبيرة من خلال المسلسل التلفزيوني The Fresh Prince of Bel-Air. أصبح بعدها واحدا من أبرز نجوم هوليوود، وقدم مجموعة من الأفلام الناجحة في نوعية الحركة والدراما، حصل على العديد من الجوائز والترشيحات، أبرزها ترشيح لجائزة أوسكار عن دوره في فيلم King Richard. سميث يُعد من أكثر الممثلين تأثيرا في العالم وله حضور قوي على وسائل التواصل الاجتماعي.
في ليلة 27 مارس 2022، بقاعة دولبي ثياتر، بهوليوود في لوس أنجلوس، حيث تقام حفلات الأوسكار، كان الجميع في انتظار تقدم الفائزين نحو منصة التتويج، بينما كان الكوميدي كريس روك يستعد لتقديم جائزة أفضل فيلم وثائقي. كعادته، لم يستطع روك مقاومة إلقاء بعض النكات الساخرة عن المشاهير الجالسين في القاعة، لكنه لم يكن يعلم أن إحدى نكاته ستشعل أزمة غير مسبوقة.
عندما وقعت عينه على جادا بينكيت، زوجة النجم ويل سميث، قرر أن يوجه لها نكتة قال فيها :
“جادا، أحبك، لا أطيق انتظار رؤيتك في الجزء الثاني من فيلم G.I. Jane !”
كانت هذه الجملة إشارة إلى فيلم G.I. Jane الذي صدر سنة 1997، والذي جسدت فيه الممثلة “ديمي مور” دور جندية أمريكية قامت بحلق شعر رأسها بالكامل ضمن الأحداث، لقد كانت النكتة تعتمد على تشابه مظهر “جادا” مع شخصية الفيلم المذكور، لكن ما لم يدركه “روك” أو لم يهتم به هو أن جادا لم تحلق رأسها بمحض إرادتها، بل كانت تعاني من داء الثعلبة الذي تسبب في فقدان شعرها.
ضحك بعض الحضور على سخرية الكوميدي روك من شكل رأس “جادا”، وابتسم ويل سميث في البداية، لكن الكاميرات التقطت تعبير وجه “جادا” التي لم تكن راضية على اتخاذ مرضها كمادة للسخرية في حفل عالمي رفقة النجم زوجها، الذي انتبه لذلك وسرعان ما تغيرت ملامح وجهه، وبعد لحظات، نهض من مقعده وتوجه نحو المسرح بخطوات ثابتة، وفجأة رفع يده وصفع الكوميدي “روك” بقوة على وجهه أمام ملايين المشاهدين حول العالم، ثم عاد إلى مقعده وصرخ قائلا :
“أخرج اسم زوجتي من فمك اللعين !!!”.
ساد الصمت في القاعة، وبدا الارتباك واضحا على وجوه الحضور، فحتى كريس روك نفسه لم يصدق ما حدث وقال بعد لحظات قصيرة من الصفعة :
“واو، لقد صفعني ويل سميث !!.
ثم كرر ويل سميث نفس الجملة : “أخرج اسم زوجتي من فمك اللعين”.
رد الكوميدي مرتبكا نعم حاضر وتابع كلامه قائلا:
هذه بلا شك أعظم ليلة في تاريخ التلفزيون !!!” وضحك الجمهور وظن أغلب من شاهدوا الواقعة، أن هذه المشاهد مجرد سكيتش شارك فيه ويل سميث مع كريس لتلطيف الأجواء، خصوصا وأن الصفعة بدت وكأنها لقطة سينمائية.
استمر الحفل وكأن شيئا لم يكن. وبعد أقل من نصف ساعة، عاد ويل سميث إلى المسرح لكن هذه المرة لاستلام جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم King Richard، حيث قدم خطابا مؤثرا تحدث فيه عن أهمية العائلة والحب، لكنه لم يعتذر لكريس روك.
ما حدث في تلك الليلة بحفل توزيع جوائز الأوسكار، لم يكن مجرد حادث عابر، بل كان انفجارا عاطفيا شاهده الملايين مباشرة، ثم انتقل إلى الإنترنت حيث أشعل موجة من الجدل، لتصبح الصفعة التي وجهها ويل سميث لكريس روك حديث العالم في لحظات قليلة.
انتشر فيديو صفعة ويل سميث لكريس روك بسرعة هائلة على وسائل التواصل الاجتماعي، فكان تأثير الإنترنت على القضية واضحا منذ اللحظات الأولى.
في تويتر وإنستغرام، انتشرت آلاف التغريدات والمنشورات التي تناقش الحدث، وانقسمت الآراء بين من يدعم سميث باعتباره دافع عن زوجته، وبين من يرى أن ما قام به تصرف غير مقبول.
حصدت مقاطع الفيديو ملايين المشاهدات في وقت قياسي، وأصبح مشهد الصفعة الأكثر تداولا خلال الساعات الأولى بعد الحفل، كما اجتاحت الميمز (memes) الإنترنت، وحوّلت الواقعة إلى مادة ساخرة تناقلها المستخدمون في كل مكان.
دخل مشاهير هوليوود على الخط، حيث علّق البعض لصالح ويل سميث، بينما انتقده آخرون بشدة. وكان دينزل واشنطن، الذي حضر القاعة في لحظة الصفعة، قد اقترب من سميث وهمس له قائلا :
“في لحظاتك العظيمة، كن حذرا، لأن الشيطان يأتي إليك حينها”.
لم يتوقف الجدل عند حدود التعليقات الساخرة، فقد تحولت القضية إلى أزمة حقيقية دفعت أكاديمية الأوسكار إلى اتخاذ إجراءات صارمة بحق سميث، حيث أعلنت أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة قرارها في 8 أبريل 2022، والذي ينص على :
منع ويل سميث من حضور حفلات الأوسكار وجميع الفعاليات التي تنظمها الأكاديمية لمدة 10 سنوات، أي حتى سنة ألفين واثنين وثلاثين، و رغم المنع من الحضور، يظل سميث مؤهلا للترشح والفوز بالجوائز، لكن لا يمكنه الحضور للحفل مباشرة لاستلامها خلال فترة العقوبة.
بعد صدور القرار، نشر سميث اعتذارا رسميا عبر حسابه على إنستغرام، قال فيه إنه نادم على تصرفه، وإن العنف ليس هو الحل. لكنه رغم ذلك لم يتمكن من تفادي العقوبة.
أما كريس روك، فقد اختار عدم التحدث كثيرا عن الحادثة، لكنه في إحدى عروضه الكوميدية قال بسخرية :
“الجميع يسألني إن كنت أشعر بالألم؟ بالطبع ! لقد ضربني سوج نايت!” (في إشارة إلى المنتج الموسيقي المعروف بسمعته العنيفة).
لو لم تنقل مواقع التواصل الاجتماعي هذا الحدث، ربما كانت هذه الحادثة ستظل مجرد موقف محرج يرويه بعض الحاضرين بعد الحفل، لكنها بفضل الإنترنت تحولت إلى أزمة عالمية دفعت الأكاديمية إلى اتخاذ قرار غير مسبوق ضد أحد أكبر نجوم السينما.
وسائل التواصل لم تكن مجرد وسيط لنقل الحدث، بل كانت المحرك الأساسي لتأجيج القضية، حيث جعلت الفيديو ينتشر في كل مكان، وحولت النقاش إلى صراع عالمي بين مؤيد ومعارض، وجعلت الضغوط تتزايد على الأكاديمية لاتخاذ إجراء تأديبي ضد ويل سميت.
لم تكن صفعة الأوسكار مجرد لحظة غضب، بل كانت مثالا واضحا على قوة الإعلام الرقمي في تشكيل الرأي العام، وكيف يمكن للحظة واحدة أن تعيد رسم مسار نجم سينمائي، ليس بسبب ما فعله فقط، بل بسبب كيفية نقله وزاوية معالجته بعد نقله وانتشاره في العالم الرقمي.