ايوب الهوي.
في أواخر تسعينات القرن الماضي، وبين أزقة مدينة مكناس أو ربما أحد الأحياء الشعبية بالمدن المغربية الكبرى، انطلقت أصوات مختلفة.. أصوات غاضبة، ناقدة، حاملة لهموم الشارع، متمرّدة على الموسيقى السائدة حينها. لم تكن شعبية، ولا راي، ولا Chaabi… بل كانت رابًا خامًا، فصيحًا بلغته، خشنا بنبضه، مغربيًا بامتياز. تلك كانت بداية “عود الليل”… الفرقة التي أطلقت أول شرارة حقيقية للراب المغربي قبل أن تختفي كما ظهرت: في صمتٍ غامض.
بدون أسماء، بدون وجوه… فقط الصوت!
ما يميز “عود الليل” ليس فقط أسلوبها المتقدم على زمنها، بل غموضها المطلق. فلا أحد يعرف على وجه الدقة من هم أعضاء الفرقة، ولا حتى عددهم. لا أسماء، لا صور، لا مقابلات إعلامية. كل ما تبقى لنا منهم هو بعض المقاطع الصوتية التي جابت أشرطة “الكاسيت” في الأسواق الشعبية، وسرّبت عبر الأصدقاء وعشاق الراب، ليتحولوا مع الوقت إلى أسطورة حضرية تروى في جلسات عشاق الهيب هوب المغربي.
مواضيعهم: الشارع يتكلم لأول مرة
“عود الليل” لم تكن تغني للغرام ولا للمواويل… بل كانت تسرد يوميات الشباب المهمش، تتحدث عن البطالة، الفقر، القمع، والحلم المجهض. بلغة دارجة صادمة وصريحة، دون مساحيق ولا تلميع، حملت الفرقة على عاتقها نقل نبض جيل بكامله.
أغانيهم، رغم بساطة تسجيلها، كانت قوية بمحتواها. لا موسيقى متقنة، لا استوديوهات فخمة، فقط كلمات تنزل كالرصاص، وتخترق الصمت الاجتماعي.
البداية والنهاية… لغز لم يُحل
لم يعرف أحد متى بالضبط تأسست “عود الليل”، ولا كيف اجتمع أعضاؤها. كما أن اختفائهم المفاجئ زاد من الأسطورة غموضًا. هل كانت مشاكل داخلية؟ ضغوط أمنية؟ هجرة؟ أم فقط قرار بالانسحاب بعد أداء المهمة؟ كل الاحتمالات مطروحة، لكن لا جواب شافٍ حتى اليوم.
الغريب أن الراب المغربي انفجر بعدهم بسنوات قليلة، وأسماء مثل البيغ، مسلم، H-Kayne وغيرهم، أخذوا المشعل، لكن دون أن ينسى بعضهم الإشارة إلى “عود الليل” كأول من قال: “نحن هنا!”.
من هم؟ سؤال للقراء…
في ختام هذا المقال، نفتح الباب أمام كل من يملك معلومة، شهادة، أو حتى ذكرى عن فرقة “عود الليل”، ليتواصل معنا أو يشارك رأيه في التعليقات. من يعرف من هم؟ أين هم اليوم؟ هل ما زالوا يكتبون؟ يغنون؟ أم أن “عود الليل” كانت فقط صوتًا عابرًا… جاء ليوقظنا، ثم رحل؟
فرقة بلا وجه، بلا أسماء، لكنها بصمت التاريخ بصوت لا يُنسى.