✍️ بقلم: الصحافي حسن الخباز
في خطوة مثيرة للجدل، أقدمت سلطات مراكش على إغلاق محل بائع السردين الشهير عبد الإله الجابوني، وهو القرار الذي أثار موجة استنكار واسعة في صفوف المغاربة، ودفعهم إلى إطلاق حملة تضامن غير مسبوقة معه، وصلت إلى حد الدعوة إلى مقاطعة السردين طيلة شهر رمضان.
فقد حلت لجنة من العمالة مساء الثلاثاء بمحل الجابوني، وقررت إغلاقه بحجة عدم إشهار الأثمنة، وعدم توفير شروط التخزين السليمة، بالإضافة إلى عدم الامتثال والتعاون مع اللجنة أثناء عملية المراقبة الروتينية. لكن المتتبعين يرون أن هذا القرار لم يكن سوى الحلقة الأخيرة في مسلسل استهداف هذا الشاب، الذي طُرد سابقًا من السوق بسبب بيعه بأسعار منخفضة، الأمر الذي جعله يحظى بشعبية جارفة داخل المغرب وخارجه.
محاربة الأسعار المنخفضة.. من المستفيد؟
منذ أن بدأ عبد الإله الجابوني في بيع السردين بأثمنة مناسبة، وهو يواجه ضغوطًا متواصلة من لوبيات السوق والمضاربين، الذين لا يروق لهم أن تُباع السلع بثمن معقول يكون في متناول المواطن البسيط. وكما هو معلوم، فإن هؤلاء “الشناقة” لا يريدون أي منافس يهدد أرباحهم، لذلك استعملوا كل الوسائل المتاحة لمحاربته، قبل أن تأتي العمالة وتحسم الأمر بقرار الإغلاق، الذي صدم الجميع.
ولم يكن الجابوني مجرد بائع سردين، بل أصبح نموذجًا لمقاومة الغلاء، ما جعله يحظى بدعم واسع من المغاربة. فبالإضافة إلى تخفيض الأسعار، كان يمنح السمك مجانًا للمحتاجين، واستطاع بفضل شعبيته أن يصل إلى مختلف شرائح المجتمع. حتى عندما أُجبر على مغادرة السوق، لم يستسلم، بل أطلق خدمة التوصيل المجاني عبر ثمان دراجات نارية، ليضمن استمرار استفادة المواطنين من أسعاره المخفضة.
إغلاق الجابوني.. بداية حرب على “أمل الفقراء”؟
إغلاق محل الجابوني لم يكن سوى بداية، فقد بدأت تظهر مؤشرات تدل على أن هناك حربًا مفتوحة ضد كل من يحاول كسر احتكار الأسعار. فبعد الجابوني، ظهر بائع للحوم يبيع الكيلوغرام بـ 60 درهمًا، وآخر للدجاج بـ 14 درهمًا للكيلوغرام، ما خلق موجة جديدة من الأمل لدى المواطنين، الذين رأوا في هذه المبادرات فرصة لمحاربة الغلاء الذي أثقل كاهلهم.
لكن هذا الوضع لم يكن ليستمر، لأن السماح لهؤلاء التجار بالعمل يعني تعميم الفكرة وانتشارها، ما يشكل تهديدًا حقيقيًا للوبيات المتحكمة في السوق، وأيضًا للحكومة التي لا تبذل جهدًا حقيقيًا لحماية المستهلك من جشع المضاربين.
أين مراقبة المحتكرين؟
السؤال الذي يطرحه الجميع هو: لماذا لم تزر تلك اللجنة الأسواق الكبرى لمراقبة من يبيع السردين بـ 30 درهمًا للكيلوغرام، رغم أن ثمنه الحقيقي لا يتجاوز 3 دراهم عند الجملة؟! لقد فضح الجابوني هذه الحقيقة مرارًا، حتى خرج بعض تجار الجملة ليؤكدوا صحة كلامه.
والأدهى من ذلك، أن الحكومة التي رفعت شعار “تستاهلوا أحسن” خلال حملتها الانتخابية، لم تقم بأي خطوة في صالح المواطن المغربي، بل تحولت إلى حكومة الغلاء بامتياز، حتى أصبحت تُوصف بأنها الأسوأ في تاريخ المغرب، بسبب السياسات التي أغنت الغني وأفقرت الفقير.
حملة تضامن واسعة مع “ولد الشعب”
لم يمر قرار إغلاق محل عبد الإله الجابوني مرور الكرام، فقد أطلق المغاربة حملة تضامن واسعة معه، وأعلنوا عن مقاطعة السردين طيلة شهر رمضان، تحت شعارات مثل “خليه يخناز” و “كل الدعم لولد الشعب”، في رسالة واضحة بأنهم لن يقبلوا بهذه السياسات التي تستهدف قوتهم اليومي.
وفي تصريح مؤثر، ظهر الجابوني وهو يبكي، مؤكداً أنه لم يكن يسعى سوى إلى خدمة المواطن المغربي الفقير، وأنه أصبح يخشى على نفسه وعائلته بعد هذه الضغوط التي مورست عليه.
إن التضامن الشعبي مع الجابوني لم يكن بسبب شخصه فقط، بل لأنه أصبح رمزًا لمقاومة الغلاء، وصوتًا للمقهورين الذين يبحثون عن العدالة الاجتماعية في بلدهم. فهل تتحرك الحكومة لإنصافه، أم أنها ستواصل سياسة محاربة الفقراء بدل محاربة الغلاء؟!