بقلم: الصحافي حسن الخباز – ديريكت بريس مغرب
أسفرت الأوساط الدينية والسياسية عن ضجة واسعة بعد إعلان إعفاء الدكتور محمد بنعلي، رئيس المجلس العلمي المحلي لفكيك، من مهامه بقرار أدخله حيز التنفيذ ابتداءً من 31 يوليوز 2025، وأصدره وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، استنادًا إلى الظهير الشريف رقم 1.03.300 المتعلق بتنظيم المجالس العلمية .
وتوضح مصادر متعددة أن اللجنة التي زارت المجلس قبل قرابة شهرين أشارت إلى “عدم انتظام الحضور”، وهو ما أقره بنعلي في تدوينته الوداعية، معتبرًا أن الإعفاء يمثل “انتقالًا من حركة مقيدة بقيود وزارة الأوقاف إلى حركة لا قيود فيها” .
رغم أن المبرر الرسمي للإعفاء يتعلق بالحضور، فقد تزامن القرار مع تدوينة سابقة لبنعلي على حسابه بـ”فايسبوك” تحت عنوان “كلنا متواطؤون في إبادة غزة”، دافع فيها عن قضية فلسطين وحمّل العلماء مسؤولية الصمت، متهمًا بعضهم بالتفرغ للنوافل بينما يُعذر إيقاف الظلم عن المسلمين . وتسببت تدوينة أكدت فيها موقفه بتضامن واضح مع غزة، في استنكار واسع على مواقع التواصل، حيث رأى البعض أن قرار الإعفاء كان “ثمنًا لقول الحق” في موضوع حساس كالقضية الفلسطينية .
وقد سيطر نوع من التوتر على المشهد بين وجود مبرر إداري معلن، وبين رواية شعبية ربطت الإعفاء بمواقف بنعلي الدينية والإنسانية. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة اليوم هو: هل يستطيع وزير الأوقاف عزل عالم عينَه الملك؟ وهل يملك الوزير وحده هذه الصلاحية أم أن الإعفاء يتطلب تدخل الجهة الملكية أو الموافقة على الأقل؟
يتضح من القانون التنظيمي للمجالس العلمية أن صلاحيات الوزير تمكّنه من مسطرة الإعفاء، دون الحاجة لرجوع ملكي مباشر، إلا أن القيم الرمزية لهذا المجلس السياسي والديني تجعل أي إقالة تستعمل ضد حرية التعبير أو المواقف الأخلاقية محل تساؤل لدى قطاعات واسعة  .
وبينما يطالب ناشطون بدافعية التقيّد النزيه والتوازن بين واجب الحضور والحق في التعبير والدعوة الدينية، يواصل بنعلي نشاطه خارج الإطار الرسمي، في رسالة رمزية بأن العالم يجب أن يبقى حرًا، وإن غيّبته المؤسسات  .
في هذا الصراع بين الانضباط المؤسسي وحرية القول والضمير الديني، ينتظر الجميع موقفًا رسميًا يُنهي الجدل، سواء من الوزير، أو من المجلس العلمي الأعلى، أو من الديوان الملكي الذي عين بنعلي في الأصل، لتأكيد المسار القانوني للمسألة، أو لإظهار أن قرار الإعفاء لم يعط قيمة للتضامن الإنساني مع قضية الأمة الكبرى.
حتى ذلك الحين، سيبقى الحديث عن بنعلي يمثل نموذجًا لحالة الصراع بين المؤسسة والضمير، بين السلطة والحق، في زمن يقول فيه المغاربة جمعيًا إن نصرتهم لقضية فلسطين ليست تطرفًا، بل هو ردّ على إنسانية جرى الاعتراف بها كقضية للدين والعروبة قبل السياسة.