بقلم: الصحافي حسن الخباز
لا تزال العديد من المشاريع التنموية، التي كلفت خزينة الدولة ملايير الدراهم من أموال دافعي الضرائب، تراوح مكانها دون أن تعود بالنفع على المواطن المغربي، في صورة تختزل معاناة مستمرة مع سوء التدبير وتأخر الإنجاز وغياب المحاسبة الصارمة.
في مدينة سلا وحدها، خرجت فعاليات جمعوية وحقوقية لتدق ناقوس الخطر مجدداً حول استمرار احتجاز مشاريع حيوية كان يفترض أن تحدث فارقاً في حياة المواطنين. مشاريع دُشّنت بميزانيات ضخمة، بعضها تحت الإشراف الملكي، لكنها اليوم تحولت إلى رموز صامتة لهدر المال العام وضياع الفرص التنموية.
أحد أبرز هذه المشاريع، مقر “المقولات التضامنية” قرب “كارفور”، الذي تحوّل إلى بناية مهجورة بعد أن أُلغي تدشينه من طرف الملك بسبب غضبة ملكية على طريقة إنجازه قبل خمس سنوات. رغم محاولات الترقيع من طرف سلطات سلا، ظل المشروع معطلاً رغم أن كلفته تجاوزت مليار سنتيم.
ولم يكن هذا المشروع الوحيد الذي استنزف الميزانية دون نتيجة. شارع السلام بدوره ابتلع أكثر من ثلاثة ملايير درهم لإعادة تأهيله، بينما لا تزال حالته مزرية، وفق شهادات جمعوية محلية. كما أن المركز الطبي للقرب الذي كان من المرتقب أن يخفف الضغط على المستشفيات الكبرى بقي مغلقاً منذ سنوات، رغم محاولات تدشينه في ثلاث مناسبات ملكية لم تتم في نهاية المطاف.
أما “سوق الصالحين”، الذي كان يُفترض أن يشكل قاطرة لتنظيم التجارة غير المهيكلة، فقد أصبح بدوره فضيحة مالية وقضية معروضة اليوم على أنظار الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بسبب اختلالات شابت صفقات إنجازه.
ليست سلا وحدها التي تعاني هذا الواقع المرير؛ فالدار البيضاء هي الأخرى شهدت نموذجاً صارخاً في مشروع سوق درب عمر الجديد قرب حي السالمية، الذي رُصدت له اعتمادات مالية ضخمة قبل أن يتحول إلى بناية مهجورة تهدد أمن الساكنة وتُهدم لاحقاً دون أي مردود تنموي يُذكر.
ورغم الطفرة التنموية الكبيرة التي يشهدها المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس، سواء في قطاعات صناعة السيارات والقطارات والطائرات والدرون وغيرها من المشاريع الاستراتيجية الكبرى، إلا أن هذه الاختلالات المتكررة في مشاريع محلية تظل تشوش على هذه الصورة الإيجابية وتفتح الباب أمام مطالب متزايدة بضرورة تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، والضرب بيد من حديد على كل مسؤول ثبت تورطه في هدر المال العام أو التلاعب بمشاريع ينتظرها المواطن المغربي بفارغ الصبر.
إن ملايين الدراهم التي تذهب أدراج الرياح دون مردودية اقتصادية أو اجتماعية ملموسة، تستدعي وقفة حقيقية ومسؤولة لإعادة النظر في طرق تدبير المشاريع العمومية، وتحصين أموال الدولة من العبث، حتى تترجم فعلاً إلى تحسين في معيشة المغاربة، بدلاً من أن تظل مجرد أوراش متوقفة وجدران صامتة شاهدة على زمن الرداءة وسوء الحكامة.