يوسف الهدادي – فاعل جمعوي وباحث في السياسات العمومية
تُثير ميزانية جماعة حد السوالم لسنة 2026، التي صادق عليها المجلس خلال دورة أكتوبر، نقاشاً واسعاً حول أولويات التدبير المحلي وغياب رؤية استراتيجية تنموية واضحة. فبينما تواجه المدينة ضغطاً ديمغرافياً متزايداً، وحاجيات ملحة في التعليم والصحة ومحاربة الفساد، والتي دفعت شباب “جيل Z” إلى التعبير عن احتجاجاتهم، تكشف الأرقام عن تخصيص اعتمادات ضعيفة للقطاعات الأساسية، مقابل تضخيم واضح لنفقات الرياضة ودعم بعض الجمعيات.
فعلى مستوى قطاع التعليم، تبدو الاعتمادات شبه منعدمة، إذ لم تتجاوز بعض المصاريف الثانوية مثل المواد الغذائية والصيانة، دون أي أثر لمشاريع بنيوية لمواجهة الاكتظاظ أو توسيع المؤسسات التعليمية. فالمبالغ المرصودة لا تتجاوز 20 ألف درهم للمواد الصحية و30 ألف درهم للتجهيزات البسيطة، وهي أرقام غير قادرة على مواكبة حاجيات قطاع يُعدّ الركيزة الأولى للتنمية.
أما قطاع الصحة، فقد خصص له مجموع لا يتجاوز 330 ألف درهم موزعة بين شراء مواد صحية ومبيدات وحملات تلقيح. وفي وقت تحتاج فيه المدينة إلى مركز صحي حضري مجهز بطاقم طبي وقسم مستعجلات، تبدو هذه الأرقام “هزيلة” مقارنة بحجم الطلب المتزايد، بل وتطرح سؤالاً كبيراً حول جدوى التخطيط الصحي المحلي.
في المقابل، حظيت الرياضة، وعلى رأسها فريق كرة القدم، بنصيب وافر من الميزانية، إذ بلغت الاعتمادات 4 ملايين درهم قبل أن تخضع لتخفيضات متتالية من قبل سلطة المراقبة إلى 3.4 ملايين درهم ثم إلى 3.3 ملايين درهم. ورغم هذا التخفيض، ما زال هذا المبلغ يفوق بكثير مجموع ما خُصص للتعليم والصحة والبنيات الأساسية.
وتكشف وثائق الدعم عن تخصيص 900 ألف درهم للجمعيات الاجتماعية و60 ألف درهم لمؤسسات اجتماعية إضافية، إضافة إلى 350 ألف درهم للهبات. ويبقى هذا الدعم غير مشروط بمعايير واضحة، مما يفتح الباب أمام تأويلات تتعلق بالتوظيف السياسي أو بعدم الإنصاف في توزيع الموارد، خصوصاً في ظل غياب دعم كافٍ لجمعيات الطفولة والتعليم والبيئة والصحة.
أما جمعية الأعمال الاجتماعية للموظفين فقد ارتفع دعمها من 300 ألف درهم سنة 2025 إلى 730 ألف درهم سنة 2026، إضافة لمنح خاصة بالحج وعيد الأضحى. وبرغم أهمية الاهتمام بالموظفين وتحسين ظروفهم الاجتماعية، فإن هذا الارتفاع يطرح تساؤلات حول الأولويات مقارنة بالخدمات الأساسية للمواطنين.
كما رُصد مبلغ يفوق 2.8 مليون درهم لتغطية مصاريف الوقود وصيانة السيارات وتأمينها، في وقت يشتكي فيه المواطنون من ضعف المرافق الأساسية وغياب حلول مستدامة للبنيات التحتية.
وفي المحصلة، تعكس ميزانية 2026 استمرار منطق التدبير اليومي القصير المدى، بعيداً عن أي رؤية استراتيجية تنموية. فهي تُضخم مخصصات الرياضة والدعم غير المشروط للجمعيات، بينما تُهمش التعليم والصحة والبنيات الأساسية التي تعتبر أساس أي تنمية مستدامة.
اليوم، أصبح من الضروري إعادة ترتيب الأولويات وترشيد النفقات وتوجيه الموارد نحو القطاعات الحيوية، بما يضمن استجابة فعلية لانتظارات ساكنة حد السوالم، انسجاماً مع التوجهات الملكية الداعية إلى جيل جديد من برامج التنمية المحلية.

