بقلم: حسن الخباز
لم يكن ما حدث لسفينة حنظلة مفاجئًا، فدولة الاحتلال لطالما تعاملت مع أي محاولة لكسر الحصار على غزة بنفس اليد الحديدية، حتى ولو كانت تلك المحاولة رمزية وإنسانية بامتياز.
فجر اليوم، أقدمت البحرية الإسرائيلية على اقتحام السفينة حنظلة، وهي في المياه الدولية، واعتقلت على متنها 21 ناشطًا حقوقيًا، من بينهم الصحافي المغربي محمد البقالي مراسل قناة الجزيرة، والمصور الأميركي وئام محمد سليم الطائي، في مشهد يعيد إلى الأذهان ممارسات تنتهك بشكل صارخ القانون الدولي الإنساني.
تحالف أسطول الحرية أكد في بيانه أن الجيش الإسرائيلي نفذ عملية “قرصنة بحرية” بعد أن وجّه الطاقم نداء استغاثة إثر اقتراب زوارق حربية إسرائيلية من السفينة. وقد انقطع الاتصال نهائيًا، وتم اقتياد النشطاء نحو وجهة مجهولة.
وكانت حنظلة قد انطلقت من ميناء غاليبولي الإيطالي، وسط متابعة إعلامية دولية، ومواكبة حية على منصات التواصل الاجتماعي، حملت مشاهد إنسانية ورمزية لشخصيات تمثل أصواتًا حرة من أوروبا وأميركا وآسيا، منهم من ينتمي لبرلمانات دولية، ومنهم فنانون وصحافيون ومثقفون قرروا خوض مغامرة كسر الحصار لا بالكلام، بل بالفعل.
من بين المعتقلين أيضًا شخصيات يهودية من أصل أميركي، كـبوب وجايكوب بيرغر (الذي يلقب نفسه بـ”جاكوب الفلسطيني”)، وهي رمزية قوية على أن دعم فلسطين ليس حكرًا على شعبها، بل قضية عالمية تهم كل حرّ يرفض الاحتلال والقمع.
لحظة الاقتحام وثّقتها عدسات النشطاء، حيث ظهر المعتقلون جالسين بهدوء، رافعين أيديهم مرددين نشيد “بيلا تشاو” الإيطالي، المعروف بمناهضته للفاشية. كان مشهدًا يختزل المعنى الحقيقي للمقاومة السلمية.
في المغرب، خرجت عائلة الصحافي محمد البقالي ببيان تطالب فيه بتدخل الدولة المغربية والمنظمات الحقوقية للإفراج عنه، مؤكدة أن ابنها كان يؤدي مهمته الإعلامية والإنسانية فقط، وأن احتجازه في عرض البحر هو عمل لا يمكن تبريره بأي ذريعة أمنية أو سياسية.
هذا الاعتقال ليس فقط مساسًا بحرية الصحافة، بل أيضًا صفعة جديدة لمصداقية المجتمع الدولي الذي ما زال يصمت أمام الانتهاكات الإسرائيلية، سواء في غزة أو في عرض البحر.
إن ما جرى لسفينة حنظلة هو تذكير صارخ بضرورة إعادة الاعتبار للمسؤولية الأخلاقية والإنسانية في التعاطي مع معاناة سكان غزة، الذين يعيشون تحت حصار غير إنساني منذ أكثر من 18 سنة.
قد يتم الإفراج عن المعتقلين في الساعات أو الأيام المقبلة، لكن الأهم أن رسالتهم وصلت: “ما أقرب غزة” كما قال محمد البقالي… وما أبعد الإنسانية حين تُكمم الأفواه وتُقمع المبادرات السلمية.