spot_img

ذات صلة

كل المقالات

أخنوش يصل إلى روما لتمثيل جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا

ديريكت بريس. وصل رئيس الحكومة، السيد عزيز أخنوش، مساء اليوم...

الرباط: الضمانات القضائية للمحاكمة العادلة محور ندوة علمية بمعرض الكتاب.

العلوي زكرياء. شهد رواق المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بالمعرض الدولي...

بنعلي تبرز بلندن الرؤية الملكية لتحقيق السيادة الطاقية وتعزيز الأمن الطاقي الوطني.

ديريكت بريس. أبرزت ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة،...

سيدي بنور.. تلميذ يحاول وضع حد لحياته داخل القسم بسبب أزمة عاطفية

✍️ بقلم: عبد الغني سوري اهتزّت مدينة سيدي بنور على...

سلسلة الواقع والمواقع ، الحلقة 25 : سلمى ضحية التشرميل و التشهير والتهديد الرقمي.

الواقع والمواقع … سلسلة مقالات ننشرها حصريا في جريدة “ديريكت بريس”، للتسلية والترفيه وأيضا للتوعية والتثقيف. نرصد من خلالها تفاصيل حدث خلق ضجة اعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لنتتبع تأثيره على ردود أفعال المواطنين وصناع القرار في العديد من دول العالم.

الحلقة 25 : سلمى ضحية التشرميل و التشهير والتهديد الرقمي.

في زمن صار فيه عدد غرز الجرح الغائر جراء اعتداء بالسلاح الأبيض، يعمّم في وسائل التواصل الاجتماعي بعد تمام العملية بدقائق قليلة في عيادة الطبيب أو المستشفى، عادت إلى الواجهة قضية الشابة “سلمى” التي تعرضت سنة 2022 لاعتداء عنيف من طرف شابة عمرها 19 عام، وخلّف الحدث جرحا على وجه سلمى بشفرة حلاقة وأثرا بالغا على نفسيتها، بحكم أن الوجه ليس فقط مرآة الفرد أمام العالم، بل أيضا منبع ثقته بنفسه ورمز التواصل الاجتماعي واللقاء بالناس والزملاء وإلقاء التحية في المدرسة والشارع . الجرح خلّف 54 غرزة شاهدة على عنف موصوف.

“الترند” .. بداية الحكاية

في أبريل 2022، اهتزت مدينة مراكش على وقع اعتداء جسدي خلف صدمة في الشارع المغربي، بعد أن شوهت فتاة وجه “سلمى” في لحظة غضب ونزاع انتهى بالدخول في مسار قضائي صادم، حُكم على المعتدية آنذاك بشهرين.

من التشرميل إلى التشهير الرقمي

خرجت الجانية من السجن بعد أن قضت شهرين خلف القضبان، لكنها لم تختف عن الأنظار، صارت وجها معروفا على “تيك توك”.
نشرت مقاطعا تحريضية، استعرضت ماضيها العنيف، ووجهت رسائل غير مباشرة مفادها: “أنا هنا، وها أنا أروي ما فعلت”. تحوّلت الجريمة إلى محتوى، والجانية إلى “مؤثرة” سوداء، تبني جماهيرها على حساب الألم، استهجن رواد مواقع التواصل الاجتماعي هذا الخروج الغريب الذي جاء بعبارات قوامها التهديد والوعيد. وتناسلت التعليقات ومعها أسئلة مُلتهبة :
هل أصبح الجرح الغائر في وجه فتاة لا يعادل سوى 60 يوما خلف القضبان ؟
هل باتت سوابق العنف بطاقة عبور إلى “الترند”؟
ومن يحمي الضحايا حين يعود الجلادون إلى الساحة الرقمية، لا لطلب الغفران، بل لاستعراض العضلات؟

هي أسئلة تفجّرت مع عودة ملف الاعتداء الذي تعرضت له الشابة “سلمى” سنة 2022، إلى واجهة الجدل الرقمي، بعدما تبين أن المعتدية، لم تكتف بما اقترفته يداها من جرح في الوجه تطلب 54 غرزة لمعالجته وبدا الوجه بعلامة مؤلمة، لكن عادت المعتدية لتُحرض على العنف علنا، عبر مقاطع رقمية وُصفت بـ”المستفزة” و”الخطيرة”.

عندما حرّك الغضب الافتراضي عجلة المتابعة الواقعية

سلمى لم تصمت. واجهت، تحدثت، وقامت بدورها ببث شهادة علنية، وحكت معاناتها مع الضربة التي تلقتها من يد فتاة أخرى بشفرة الحلاقة، نددت بالتهديد والوعيد الذي وصلها عبر فيديو من الجانية، انتشر بسرعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي…
حصد فيديو الضحية وفيديو الجانية سيلا من التعليقات … كلها صبت في اتجاه واحد التضامن مع الضحية و المطالبة بمحاسبة الجانية..
لم تبق التعليقات حبيسة “اللايكات” والقلوب، بل وصل صداها إلى النيابة العامة بمراكش، التي أعطت تعليمات عاجلة للشرطة القضائية يوم 8 أبريل 2025، وانتهى الأمر بإعادة توقيف المعنية يوم 10 أبريل، وحجز هاتفها وضبط مقاطعها التحريضية عن طريق التفريغ من مواقع الهاتف إلى ورق المحاضر في الواقع.

تسعون يوما… في ميزان العدالة

في جلسة علنية عقدت يوم الجمعة 18 أبريل 2025، أدانت المحكمة الشابة “المعتدية” بـتسعة أشهر حبسا نافذا، و2500 درهما كغرامة مالية، و30 ألف درهم كتعويض مدني لفائدة الضحية “سلمى”، حيث تمت المتابعة القضائية من المواقع نحو الواقع بتهم ثقيلة شملت :

بث وتوزيع ادعاءات كاذبة بقصد المس بالحياة الخاصة والتشهير.

التحريض على ارتكاب جنح بواسطة وسائل إلكترونية.

العنف النفسي في إطار العلنية الرقمية.

اعتبر البعض قرار المحكمة تصحيحا متأخرا لمسار قضية سابقة قصيرة النفس، فيما رأى آخرون أن الغرامة المدنية أقل مما يتطلبه علاج الضرر النفسي العميق.
الجرح في وجه “سلمى” أعمق من أن يُرمم بقرار محكمة، لكن على الأقل أُعيد الاعتراف بحق سلمى في استرجاع كرامتها و سماع خبر معاقبة الفتاة التي اعتدت عليها ماديا ومعنويا.
الحكم على المعتدية بـ 9 أشهر حبس، 30 ألف درهم تعويض… يبدو أنه مجرد أرقام قد تُسجل في محاضر الجلسات، لكنها أرقام تبقى بالنسبة للبعض الذين علقوا في مواقع التواصل الاجتماعي على الحكم بعبارة:
أن العقوبة أقل من اللازم حين تكون الندبة مرئية… وموجعة”.
ومن المواقع إلى الواقع لابد من الإشارة أن قرارات المحكمة، تستوجب الامتثال من جميع الأطراف المعنية، لكن في حال الاعتراض على هذه القرارات، يوفر النظام القضائي للمتضرر عدة مساطر قانونية للطعن في الأحكام، بعيدا عن التعليقات التي قد يكتبها شخص لا دراية له بالقانون، فيسقط في المحظور.

حين تنقلب المنصات إلى محكمة معنوية

لم تعد مواقع التواصل مجرّد أدوات للبوح، بل أصبحت سلطات رمزية تعيد فتح الملفات المغلقة، وتؤطر الخطاب العام حول “الحق واللاحق”. تيك توك ليس فقط وسيلة للبث، بل صار مسرحا تُختبر فيه الحدود بين حرية التعبير وجريمة التحريض. هذه القضية أظهرت أن “السلطة الخامسة” قادرة على تحريك “السلطة الثانية”، عندما يصمت الضمير الإنساني.

لقد صرخ “الواقع”، وتكلمت “المواقع”… فهل يُراجع المشرّع المغربي نظرته للعنف الرقمي؟ وهل تُحسم بعد اليوم ملفات التحريض و”الترند” قبل أن تتحول إلى “قضايا رأي عام”؟
الواقع يتنفس تحت الضغط،
والمواقع لا تنام.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا
Captcha verification failed!
فشل نقاط مستخدم captcha. الرجاء التواصل معنا!
spot_imgspot_imgspot_imgspot_img