spot_img

ذات صلة

كل المقالات

سلسلة “الواقع والمواقع” الحلقة 22 : الإنتاج التلفزيوني… تحت مجهر الشوشيال ميديا.

الواقع والمواقع … سلسلة مقالات ننشرها حصريا في جريدة “ديريكت بريس”، للتسلية والترفيه وأيضا للتوعية والتثقيف. نرصد من خلالها تفاصيل حدث خلق ضجة إعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لنتتبع تأثيره على ردود أفعال المواطنين وصناع القرار في العديد من دول العالم.

بقلم : رشيد صفـَـر

الحلقة 22 : الإنتاج التلفزيوني… تحت مجهر الشوشيال ميديا.

كان التلفزيون في زمن ما قبل الإنترنت و السوشيال ميديا، بمثابة “الناطق الرسمي باسم الترفيه والتثقيف”، يمرّ ما يُعرض فيه مرور الكرام، كان المشاهدون يضحكون أو يبكون أو يتثاءبون أو يثنون على جودة المنتوج في حينه، ثم يُطوى البرنامج أو الفيلم أو المسلسل في أرشيف القناة، لا يُحاسب ولا يُناقش. كانت ذاكرة التلفزة قصيرة، وتعود للحياة إلا عبر بث متفرق لبرامج سابقة وكان السجال النقدي نادرا ما يتجاوز أعمدة بعض الصحف الورقية أو جلسات المقاهي.

لكن في زمن الرقمنة، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي سلطة مضادة، ذاكرة حية، وأرشيفا متاحا في كل وقت بالليل والنهار، كل عرض تلفزيوني يعاد عرضه في منصات التواصل، كما يتم تحميله وتقتطع منه أجزاء، ويُركَّب، ويُعاد بثه آلاف المرات على تيك توك، فيسبوك، إنستغرام، ويوتيوب. لم يعد بالإمكان “دفن” اللقطات في أرشيف القنوات الممولة من المال العام أو الخاصة، بل صار الجمهور هو من يُخرجها من النسيان أو يضعها في قفص الاتهام، و يعيدها للحياة عبر السخرية أو الإشادة أو حتى المطالبة بالمحاسبة، من خلال نقرة بسيطة وتعليقات تحت فيديوهات تنشر على صفحات وحسابات تفوق القنوات من حيث العدد بشكل كبير جدا، إذ يبلغ عدد القنوات التلفزيونية بالمغرب حاليا 12 قناة تلفزيونية، تتوزع بين شركات البث الوطنية، وهي الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة (SNRT)، وشركة صورياد 2M، وقناة ميدي 1 تيفي (Medi1TV).

أما على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، فقد بلغ عدد مستخدمي موقع فيسبوك حوالي 20 مليونا و 200 ألف مستخدم، أي ما يعادل 55.5% من إجمالي سكان المغرب، ويصل هذا الرقم إلى 70.9% إذا ما اقتصرنا على الفئة العمرية التي يفوق سنها الثالثة عشرة.

من جهته، يستقطب تطبيق “تيك توك” ما يقارب مليونين و300 ألف مستخدم مغربي، تتركز غالبيتهم في الفئة العمرية بين 18 و24 سنة، بنسبة تفوق 69%.

أما “يوتيوب”، فتعد المنصة الأكثر شعبية في المغرب، حيث تم تسجيل أكثر من 21.4 مليون مستخدم نشط في بداية سنة 2022، مما يجعل يوتيوب الشبكة الاجتماعية الأكثر استخداما في البلاد.

في هذا المناخ الرقمي، يفقد المنتوج التلفزيوني السيطرة على المشاهدة بشكل كامل، ويتحول المتلقي إلى منتج وناقد، ومُحلل، ومؤرّخ لحظي. وإذا كانت شركات الإنتاج تُخطط لتنفيذ إنتاج المواد التلفزيونية مع إدارات القنوات في الإنتاج الخارجي، فإن مواقع التواصل تُقرر الاستقبال، وتمنح العمل شهادته الحقيقية من طرف النقاد والجمهور من خلال إبداء الرأي بشكل حر إنطلاقا من الجواب على أسئلة : هل العمل التلفزيوني بجودة تحترم تطلعات الجمهور؟ جاد وجيد ؟ تافه؟ مصطنع؟ مؤثر؟ مسروق ؟ أم مجرد “ملء للفراغ” في شبكة البرامج ؟.

منذ سنة 2012 بدأ العمل بدفتر التحملات لقنوات القطب العمومي، عن طريق طلبات العروض التي حولت البرامج التلفزيونية لتنفيذ الإنتاج، إلى مشاريع يطبق عليها قانون الصفقات العمومية، فأضحى منطق “الصفقة”، يتحكم في خريطة الإنتاج.
الدراما في المغرب، في كثير من حالاتها، خصوصا تلك التي تقدم في رمضان بقنوات التلفزيون تُكتب على عجل، وتُنتج بـ”الحد الأدنى المقبول”، وتُنفذ بعين على دفتر التحملات، وأخرى على دفتر الحسابات، يغيب عن أغلبها الخيال، ويُقصى منها الكاتب المهني، ويُستدعى نفس الطاقم الفني، فتتم تأدية نفس العروض بنفس النفَس والمنوال والتناول مع شركات معينة محظوظة ألفت هذا التداول.

في وقت تغيّرت فيه عادات وعقلية المشاهدين، وتوسعت فيه قاعدة النقاد الرقميين، حيث يكتب بعضهم تدوينات أقوى أثرا من مقالات الرأي الكلاسيكية، وينتج آخرون فيديوهات تحليلية أقوى من بلاغات القنوات، لقد أصبح جمهور اليوم لا يكتفي بالمشاهدة، بل يُعبر، يُفكك، يُقارن، ويُطالب بالجودة، وأحيانا يُقاطع ويُحرج صناع القرار التلفزيوني.

كل الأعمال التلفزيونية الكوميدية والدرامية خصوصا في رمضان، معرضة لإعادة البث في الإنترنت ولإعادة التأويل، وكل كلمة تُقال قد تتحول إلى “ترند” وكل انزلاق أو مشهد خادش للحياء يتحول إلى فضيحة. لذلك، لم يعد ممكنا الحديث عن إنتاج تلفزيوني خارج منطق الرقابة عبر الشوشيال ميديا.
أضحت الجرائد الورقية العريقة تختفي تدريجيا وتتحول لمواقع إلكترونية، ففي سنة 2025 بقي من الجرائد الذائعة الصيت التي تصدر في حلة ورقية عدد قليل، حيث توقفت الصحف الورقية عن الصدور وقلة الأكشاك على الأرصفة، بنسبة تفوق 50 فالمائة منذ سنة 2020 وهذا الرقم مرشحة للإرتفاع مع هيمنة مواقع التواصل الاجتماعي على الساحة الإعلامية.

والسؤال اليوم ليس فقط : ماذا ننتج؟ ولكن : كيف سيعيش هذا الإنتاج بعد عرضه على السوشيال ميديا ؟.
كيف سيتفاعل معه الجمهور الرقمي؟.
قبل زمن الإنترنت والسوشيال ميديا كانت الذاكرة الجماعية هي التي تحتفظ بذكرى الأعمال التلفزيونية .. عناوينها وشكلها ونوعها وصورتها ومواضيعها وديكوراتها وأبطالها وملابسهم وطريقة تشخيصهم للأدوار، لكن اليوم صارت هذه العناصر التي تؤسس الفرجة، مُخزنة في “رابط” مفتوح ومتاح لكل شخص يمتلك هاتفا ذكيا أو حاسوبا أو شاشة مربوطة بالإنترنت.

غدت مواقع التواصل الاجتماعي شريكا مهما في عملية الإنتاج، وفاعلا مؤثرا يعيد ترتيب المشهد السمعي البصري، ويعيد الاعتبار لفكرة أن “الجودة لا يمكن إخفاؤها، والرداءة لا تُغتفر”.

شكلت الطفرة الرقمية وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي تحولا بنيويا في مواكبة الفرجة التلفزيونية والسينما، إذ أصبح لكل مسلسل أو سيتكوم أو فيلم، عمر ثانٍ في منصات العرض الإلكتروني بشكل متواصل. لم تعد الفرجة محصورة في زمن البث وإعادة البث فقط، بل أصبحت محتوى قابلا للإعادة، وإعادة التقييم، بل وإعادة التوظيف أحيانا في سياقات ساخرة أو نقدية، من خلال مقاطع قصيرة، أو “ميمز”، أو نقاشات موسعة تتقاطع فيها التخصصات، وتلتقي فيها أذواق الجمهور العريض، و كل صفحة وحساب شخصي على المنصات بمثابة قناة، تنشر وتعيد نشر ما تم بثه في التلفزيون وحتى السينما والمسرح، فأصبح المشاهدون يعلقون ويحكمون على كل عمل تلفزيوني ولو بأدوات بسيطة، لكنها ذات تأثير عميق.

هذا التحول جعل من الجمهور طرفا مشاركا، لا متلقيا عاديا، وأصبح صانع المحتوى – المخرج، السيناريست، المنتج مع القناة – أمام مرآة يومية اسمها “الرأي العام الرقمي”، بكل ما تحمله من مد وجزر، و تفاعل لحظي، ومن تأثير قد يتجاوز حدود البث المحلي ليصل إلى جمهور أوسع، عابر للقارات.
فرضت هذه المستجدات على صانعي القرار بقنوات القطب العمومي إنشاء منصة فرجة على مواقع التواصل الاجتماعي. و في إطار مشروع إصلاح شامل للقطاع السمعي البصري العمومي، أعلنت وزارة الشباب والثقافة والتواصل عن قرب الانتهاء من إعداد دفاتر التحملات الجديدة الخاصة بـ”هولدينغ القطب العمومي”، حيث بلغت نسبة الإنجاز 90 %، وكان من المتوقع إصدارها في القريب. ويأتي هذا الورش الإصلاحي في سياق وطني يتطلب تجديد الرؤية الإعلامية العمومية وتحديث أسس اشتغالها بما يواكب تحولات المجتمع المغربي وانتظاراته.

تهدف دفاتر التحملات الجديدة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف المحورية، على رأسها تعزيز الإنتاج الوطني من خلال دعم الأعمال الدرامية والثقافية والفنية ذات الهوية المغربية، وتحديث البنية التحتية التقنية واللوجستيكية لمواكبة التطور الرقمي. كما تروم هذه الدفاتر تحسين جودة البرامج وتقديم محتوى يستجيب لتطلعات الجمهور المغربي من حيث التنوع، العمق، والجاذبية.

وتسعى كذلك إلى تعزيز التعددية اللغوية والثقافية، بما يضمن تمثيل كل مكونات الهوية الوطنية، سواء من خلال دعم البرامج بالأمازيغية أو الحسانية أو الدارجة أو اللغة العربية الفصحى، بل وتم الإعلان عن خطوة جديدة تتجلى في إدماج اللغة الإنجليزية في بعض البرامج، كخيار استراتيجي للانفتاح على العالم.

ومن بين المستجدات الهامة التي حملها مشروع دفاتر التحملات، إطلاق أربع قنوات رياضية جديدة، في أفق تطوير المشهد الإعلامي الرياضي الوطني وتعزيز تغطية التظاهرات الرياضية، إلى جانب تحسين الوضعية الاجتماعية والمادية للعاملين في القطاع، بما يضمن لهم بيئة عمل محفزة واستقرارا مهنياً ينعكس إيجابا على جودة المنتوج الإعلامي.

لكن يبقى السؤال الطويل :
هل سيحقق هذا المشروع الغاية منه وسيسهم في توفير فرص للمهنيبن بالميدان بحقوق وعقود واضحة والتزامات مسؤولة مع منفذي الإنتاج، وتحقيق تكافؤ الفرص وقطع دابر الاحتكار وتشجيع الاستثمار في القطاع ومراقبة عملية إدارة الإنتاج وتنفيذه من ألفها إلى ياءها، لضمان الجودة قبل البث !؟.

القاعدة تقول كل ما لا يتطور يتدهور، والاحتكار يقتل الأبداع والتكرار ينتج عنه الفرار نحو قنوات ومنصات أخرى، تقدم فرجة تحترم القواعد المهنية والميزانية وتطلعات الجمهور، الذي سيهاجر خارج قنوات القطب العمومي..
وسيغيب .. إذا لم يتم وضع الجودة في مقدمة الترتيب.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا
Captcha verification failed!
فشل نقاط مستخدم captcha. الرجاء التواصل معنا!
spot_imgspot_imgspot_imgspot_img