بقلم رضى العلوي
مع اقتراب عيد الأضحى، يعود النقاش إلى الواجهة في المغرب حول إمكانية تعليق هذه الشعيرة مؤقتًا نظرًا للظروف الاقتصادية الصعبة والجفاف الحاد الذي ألقى بظلاله على القطاع الفلاحي، خاصة إنتاج الأعلاف وتربية الماشية. ومع تعالي الأصوات المطالبة بمراعاة هذه الأوضاع، يبقى الحسم في هذا الأمر من اختصاص مؤسسة إمارة المؤمنين، باعتبارها الجهة الوحيدة المخولة للبتّ في القضايا الدينية الكبرى عبر المجلس العلمي الأعلى.
خلال السنوات السبع الأخيرة، شهد المغرب موجات جفاف متكررة أثرت بشكل مباشر على المردودية الفلاحية، حيث تراجعت المساحات المزروعة بالحبوب وانخفضت معدلات الإنتاج بسبب ضعف التساقطات المطرية. هذا الوضع أدى إلى ارتفاع أسعار الأعلاف المركزة والتبن، ما انعكس سلبًا على وحدات التسمين وتربية القطيع، وأضعف المردودية الاقتصادية للفلاحين والمربين. في المقابل، تسببت الأزمة الاقتصادية في تراجع القدرة الشرائية للأسر، مما جعل كلفة المعيشة تثقل كاهل المواطنين، خاصة الفئات الهشة التي لم تعد قادرة على تحمل الارتفاع الحاد في الأسعار.
ورغم التدخلات الحكومية، مثل تقديم دعم مالي لمستوردي الشعير المدعم ومحاولات ضبط سوق الأعلاف، واستيراد الأبقار واللحوم المجمدة، إلا أن أسعار اللحوم الحمراء واصلت منحاها التصاعدي، حيث تجاوز سعر الكيلوغرام 100 درهم، مع توقعات ببلوغه 200 درهم بعد العيد، في حال تم ذبح ملايين الأضاحي، وهو ما سيؤدي إلى خلل في التوازن بين العرض والطلب، وبالتالي ارتفاع إضافي للأسعار نتيجة ندرة رؤوس الأغنام المعدة للسوق.
في خضم هذه الأزمة، ظهر ما يُعرف بـ”مضاربي الأسواق”، الذين لجأوا إلى تجميع أعداد كبيرة من الأكباش في الإسطبلات والمزارع الخاصة بهدف المضاربة ورفع الأسعار. هؤلاء الفاعلون، الذين يتحكمون في قنوات التسويق والتوزيع، لا يراعون البعد الديني والاجتماعي للعيد، بقدر ما يركزون على تحقيق أقصى الأرباح، وهو ما جعل الأثمان تتجاوز بكثير القدرة الشرائية للمستهلك النهائي، الذي يجد نفسه بين التمسك بشعيرة دينية وبين مواجهة موجة الغلاء. ورغم محاولات الحكومة التدخل لضبط الأسعار، إلا أن الأسواق تظل خاضعة لتقلبات العرض والطلب، مما يمنح المضاربين هامشًا واسعًا للمناورة والاستغلال.
في ظل هذه التحديات، تبقى مؤسسة إمارة المؤمنين الجهة الشرعية الوحيدة القادرة على الحسم في هذا الجدل، من خلال المجلس العلمي الأعلى، الذي يمكنه إصدار فتوى تأخذ بعين الاعتبار تداعيات الجفاف والتراجع الحاد في الموفورات العلفية، وتأثير ذلك على استدامة القطيع الوطني وتوازن المنظومة الفلاحية. فبالرغم من أن عيد الأضحى شعيرة دينية وسنة مؤكدة، إلا أن قاعدة “الاستطاعة” تبقى أساسية في ممارستها، وفق مقاصد الشريعة التي تأخذ بعين الاعتبار الظروف الطارئة وتجنب الناس الحرج والمشقة. كما أن التاريخ الإسلامي عرف حالات عديدة تم فيها تقديم المصلحة العامة على بعض الشعائر، خاصة عندما يشكل استمرارها عبئًا على الاقتصاد أو تهديدًا للأمن الغذائي.
اليوم، يترقب الفاعلون في القطاع الفلاحي، إلى جانب عموم المواطنين، موقف مؤسسة إمارة المؤمنين لحسم هذا الجدل، سواء بإقرار استمرارية عيد الأضحى مع إجراءات تخفيفية للفلاحين والمستهلكين، أو بإصدار فتوى تتيح تعليق الشعيرة مؤقتًا حفاظًا على التوازنات الفلاحية والاجتماعية. وبينما يستمر النقاش حول هذا الموضوع، يبقى السؤال الأهم: هل ستتدخل إمارة المؤمنين لحماية المربين والمستهلكين من تداعيات الأزمة، أم أن الأمور ستُترك لتُحسم وفق قوانين السوق وتقلبات العرض والطلب؟