spot_img

ذات صلة

كل المقالات

منى فتو في مسلسل “رحمة”.. لا تُمثّل !!!!

تعود الممثلة "منى فتو" إلى الشاشة في مسلسل رحمة...

حملة فايسبوكية لغزو منطقة عسكرية بالولايات المتحدة الأمريكية.

سلسلة الواقع والمواقع .. في عصر التطور التكنولوجي والاتصال الفوري،...

لأول مرة بطل مغربي يوقع عقدا إحترافيا مع أكبر فريق إسباني للدراجات النارية

يواصل البطل المغربي المتألق أنس صورمات نجاحاته في مجال...

ريال مدريد يعبر أتلتيكو بركلات الترجيح ويتأهل إلى ربع نهائي دوري الأبطال

ايوب الهوري. شهدت قمة العاصمة الإسبانية مواجهة ملحمية امتدت 120...

“هجوم” أطفال على حديقة بشارع أفغانستان بالحي الحسني بالدار البيضاء

رشيد صفـَر

الصورة: حديقة مغلقة بشارع أفغانستان بالحي الحسني

لا أعرف اسم تلك الحديقة الصغيرة التي تم بناؤها، وسط ساحة أمام مدرسة الأخطل بمحاذاة شارع أفغانستان بالحي الحسني بالبيضاء، وجاءت فكرتها كما يقول البعض لتضييق المساحة على الباعة المتجولين، والغريب هو أنها مغلقة منذ تشييدها، ورغم ذلك يتسرب إليها بعض الأشخاص ليلا ونهارا وكراسيها مكسرة والأزبال منتشرة بجنباتها.
لا تهمني الأسماء بقدر ما تهمني الأحداث، رغم أن الترابط بين أسماء الشخصيات والأماكن والأحداث مهم جدا في الصحافة والقصة والرواية والسينما، حيث لا يمكن فهم واقعة ما دون معرفة الفاعلين فيها، لأن الأسماء تضفي هوية على سياق الأحداث، بينما تمنح الأحداث للأسماء دورا وتأثيرا. لكن في مثل هذه الواقعة التي سأحكيها لكم، مللنا من ذكر الأسماء وأصبحنا نقول المهم هو ماذا ؟ وليس من؟.
رغم أن الجواب على “سؤال من؟” من أهم عناصر الخبر.
فقد يقول قائل: لا !!! أخطأت في تسمية الحديقة في مقالك، واسمها كذا وكذا..
لا يهم الاسم حتى ولو كان اسمها “حديقة الاستقبال” لأنها لا تستقبل سوى الذين لهم القدرة على القفز فوق سياجها.

في تمام الساعة الواحدة زوالا، بتاريخ 6 مارس 2025 م، الموافق لــ 5 رمضان 1646 هـ، كانت السيدة “بهيجة”، وهي من سكان المنطقة، تمر بالقرب من الحديقة بشارع أفغانستان وفجأة رصدت مشهدا غير مألوف. مجموعة من الأطفال، أغلبهم من تلاميذ المدرسة المجاورة، يركضون نحو الحديقة في اندفاع مفعم بالحيوية، وهو مشهد يعكس التوق الطفولي للحرية والبحث عن المساحات الخضراء المفتوحة، بعد فترة طويلة من الحرمان.
ابتسمت “بهيجة” بتأثر، إذ طالما تساءلت عن سبب إغلاق هذه الحديقة التي تم تشييدها وسط الحي ولم تُستغل قط.
لكن صاحبت ابتسامتها لحظة ترقب واستفهام، إذ سرعان ما أدركت أن الحديقة التي يركض نحوها الأطفال ليست مفتوحة بشكل رسمي كما كانت تظن، بل يظل مدخلها مغلقا كما هو معلوم لسنوات. فهمت “بهيجة” أن الأطفال تسللوا عبر مدخل جانبي بسبب تكسير القضبان الحديدية، في مشهد يعكس بشكل صارخ تأثير الحرمان طويل الأمد على سلوكهم، حيث اندفعوا نحو الفرصة المتاحة للدخول إلى الحديقة.. فالممنوع مرغوب خصوصا بالنسبة للأطفال.

أدركت “بهيجة” أن هذا التصرف ليس مجرد تسلل عابر، بل هو تعبير عاطفي قوي عن حاجة الأطفال لاستعادة حقهم في مساحة مخصصة لهم، وعلمت أيضا أن سلوك التسلل عبر المدخل المفتوح، يظهر أنهم يشعرون بأن الحديقة تخصهم أو أنهم يستحقونها، حتى وإن كانت مغلقة، حيث يمكن تفسير اندفاعهم للدخول من خلال مفهوم “الخوف من الفقدان” (Fear of Loss) في علم النفس. لأن الأطفال الذين حُرموا من هذه المساحة لفترة طويلة لن ينتظروا إجراء فتحها رسميا، بل سيُقدمون على الاستفادة من الفرصة قبل أن تضيع، مما يعكس نوعا من الإشباع المتأخر، حيث يؤدي الحرمان السابق إلى استجابة عاطفية قوية عند مواجهة الفرصة، وهو ما يفسره مفهوم التعلق غير الآمن في علم النفس، فهؤلاء الأطفال الذين حرموا من هذه المساحة لمدة طويلة، يتعاملون مع الحديقة كحق مكتسب، وهو ما ظهر خلال اندفاعهم للتسلل إليها.

الحادثة أيضا تعكس التنافر المعرفي الذي قد يكون قد مر به الأطفال.. فهم يدركون أن الدخول ممنوع، لكن في الوقت نفسه يشعرون بأنهم يستحقون الاستمتاع بهذه المساحة، مما قد يؤدي إلى تبريرات داخلية مثل “لن يتضرر أحد” أو “لقد انتظرنا بما فيه الكفاية”.

تُعيد هذه الواقعة طرح تساؤلات حول أهمية المساحات العامة والفضاءات الخضراء وملاعب القرب بالنسبة للأطفال، وتأثير غياب هذه المرافق أو قلتها على علاقتهم بالمجال الحضري.
تابعت “بهيجة” حركات الأطفال داخل الحديقة وشاهدت كيف كانوا فرحين بتلك اللحظة القصيرة، إلى أن غادروا الحديقة، فانصرفت “بهيجة” إلى حال سبيلها وهي تتساءل في حيرة من أمرها :
هل كان هذا الفعل مجرد تسلل عابر، أم أنه تعبير عن حاجة عميقة لحق طال انتظاره !؟.

الجواب يا “بهيجة” يملكه القائمون على الشأن المحلي بالمنطقة، خصوصا وأن مقاطعة الحي الحسني تعرف انفجارا ديموغرافيا كبيرا، لا يوازيه توفر مساحات خضراء، بسبب زحف الإسمنت منذ سنوات خلت وهي قصة طويلة، لها ما لها وعليها ما عليها، ففي ظل التوسع العمراني، أصبح من الضروري التفكير بشكل جدي في توفير مساحات خضراء، تشبع حاجة الأطفال والشباب للعب والتفاعل مع المساحات الخضراء، خاصة في الأحياء ذات الكثافة السكانية العالية.

لكن، هل ستظل هذه المساحات في خبر كان أو لن يكون؟ أم أن هناك رغبة حقيقية في تغيير الواقع من قبل المسؤولين؟.
هذا التساؤل يبقى في أذهان السكان الذين يشاهدون أبناءهم يتسللون بحثا عن فسحة للفرح واللعب، في وقت ما زال فيه القرار في يد أولئك الذين يملكون القدرة على توفير مساحات عامة وساحات تنبض بالحياة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا
Captcha verification failed!
فشل نقاط مستخدم captcha. الرجاء التواصل معنا!
spot_imgspot_imgspot_imgspot_img