بقلم: العلوي رجاء — ديريكت بريس مغرب
يتجدد الجدل داخل الأوساط السياسية والإعلامية الدولية حول طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، خاصة مع تصاعد الخطاب الذي يصف واشنطن بأنها أشبه بـ”تابع” أو حتى “مستعمرة سياسية” لإسرائيل، بالنظر إلى حجم النفوذ الإسرائيلي المتغلغل في مفاصل القرار الأمريكي.
فهل هذه الفرضية مجرد مبالغة سياسية؟ أم أن لها من الوقائع ما يدعمها؟ وهل هناك حقًا علاقة اختلال في موازين القوة بين الحليفين؟ أم أننا أمام تحالف استراتيجي تبادلي تُفهم بعض مظاهره على نحو خاطئ؟
العلاقة الأمريكية–الإسرائيلية: تحالف استراتيجي متجذر
منذ إعلان قيام دولة إسرائيل سنة 1948، دعمت الولايات المتحدة تل أبيب بشكل مباشر، وسرعان ما تطورت العلاقة إلى تحالف استراتيجي خلال الحرب الباردة، حيث اعتُبرت إسرائيل قاعدة متقدمة للنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط.
ومع مرور العقود، استمرت الولايات المتحدة في تقديم مساعدات مالية وعسكرية بمليارات الدولارات سنويًا، إلى جانب دعم دبلوماسي مكثف في المحافل الدولية، مما رسخ إسرائيل كحليف أول في المنطقة.
مظاهر النفوذ الإسرائيلي داخل أمريكا
المنتقدون لسياسة واشنطن يعتبرون أن الدعم الأمريكي لإسرائيل تجاوز حدود “التحالف” وتحول إلى تبعية سياسية، مشيرين إلى:
• قوة اللوبي الإسرائيلي (AIPAC): يعد من أقوى جماعات الضغط في واشنطن، وله تأثير واضح على سياسات الكونغرس، بل ويُتهم أحيانًا بتحديد مواقف مرشحين للانتخابات.
• الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن: الولايات المتحدة استخدمت حق النقض (الفيتو) مرارًا لحماية إسرائيل من قرارات دولية تدين ممارساتها، خصوصًا في الأراضي الفلسطينية.
• الهيمنة الإعلامية: تنتقد بعض الأصوات الإعلام الأمريكي بوصفه منخرطًا في تلميع صورة إسرائيل والتعتيم على معاناة الفلسطينيين، مما يُؤثر في تشكيل الرأي العام.
هل تُعَد واشنطن فعلاً تابعة لإسرائيل؟
رغم هذه المؤشرات، إلا أن الحديث عن تبعية الولايات المتحدة لإسرائيل يفتقر إلى الموضوعية، لعدة أسباب جوهرية:
1. الهيمنة الأمريكية العالمية: الولايات المتحدة تبقى القوة العظمى الأولى عالميًا سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، ومن غير المنطقي القول إنها خاضعة لنفوذ دولة صغيرة نسبيًا مثل إسرائيل.
2. تبادل المصالح لا التبعية: العلاقة بين البلدين قائمة على منافع استراتيجية متبادلة، إذ ترى واشنطن في إسرائيل ركيزة للاستقرار النسبي ومواجهة التهديدات الإقليمية، كإيران.
3. آليات القرار الديمقراطي: النظام السياسي الأمريكي يتسم بتعدد المؤسسات والرقابة الدستورية (البيت الأبيض، الكونغرس، المحكمة العليا)، ما يصعب معه التحكم المطلق لأي جهة خارجية.
النقد المشروع: حين يصطدم التحالف بالأخلاق والمصالح
رغم عدم دقة وصف “التبعية”، إلا أن تأثير اللوبي الإسرائيلي يطرح إشكالات أخلاقية وجيوسياسية، خصوصًا حين يستمر الدعم الأمريكي لإسرائيل رغم ما تُوثقه منظمات دولية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة.
هذا التضارب بين المصالح الأمريكية الطويلة المدى في المنطقة وبين الانحياز الدائم لإسرائيل يُفقد الولايات المتحدة الكثير من مصداقيتها، خاصة في دورها كوسيط في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
خلاصة: قوة الحلف لا تعني التبعية
في المحصلة، تبقى العلاقة بين واشنطن وتل أبيب تحالفًا استراتيجيًا قويًا ولكنه غير متكافئ. ومن غير المنصف توصيف الولايات المتحدة بأنها “مستعمرة سياسية”، لكن في الوقت ذاته، فإن النفوذ الإسرائيلي المتصاعد يستوجب نقاشًا صريحًا حول حدود التأثير ومآلاته.
يحتاج صانعو القرار الأمريكيون إلى موازنة هذا التحالف مع التزاماتهم الأخلاقية والسياسية الأوسع في المنطقة، خاصة أمام الشعوب التي تراقب مواقفهم وتتأثر بها.