✍️ بقلم: الصحافي حسن الخباز
أخيرا، قرر المغرب كسر حلقة الإفلات من العقاب المرتبطة بتهريب الأموال وتبييضها، بخطوة استراتيجية غير مسبوقة، وذلك بإحداث وكالة وطنية لتحصيل وتدبير الأموال والممتلكات المحجوزة والمصادرة، خطوة جريئة طال انتظارها، جاءت لتغلق واحدا من أبرز منافذ الفساد المالي الذي استنزف خزينة الدولة وأضعف ثقة المواطن في العدالة.
الوكالة التي أعلن عنها وزير العدل عبد اللطيف وهبي، ستكون مكلّفة بمهام استراتيجية منها تنفيذ الأحكام المتعلقة بالحجز والمصادرة، التنسيق مع السلطات القضائية، وتتبع الممتلكات المحجوزة، مع وضع قاعدة بيانات وطنية دقيقة لتسهيل اقتفاء أثر العائدات الإجرامية ومصادرتها بشكل فعّال.
هذا المشروع الهام، الذي جاء بمبادرة من وزارة الاقتصاد والمالية، يسعى إلى تعزيز فعالية الدولة في استرجاع الأموال المنهوبة ومكافحة جرائم غسل الأموال العابرة للحدود، مع إدماج أفضل الممارسات الدولية في هذا المجال. كما يروم ترشيد استعمال المال العام وتوظيف العائدات المصادرة في مشاريع تنموية تخدم الاقتصاد الوطني والمواطنين على حد سواء.
وقد تم تقديم تفاصيل المشروع خلال ورشة عمل إقليمية نُظمت بالرباط مطلع هذا الأسبوع، حيث شدد وهبي على أن “مواجهة جريمة غسل الأموال تتطلب تبادل التجارب، وتوحيد الإجراءات القانونية، وربط تعاون وثيق بين السلطات القضائية والتنفيذية في الدول المعنية”.
وبحسب الوزير، فإن هذه الخطوة ستمكن من رصد وتجميد وتحصيل أموال ضخمة من شأنها أن تُضخ مجددًا في شرايين الاقتصاد الوطني، وتُوجه إلى قطاعات حيوية تحتاج إلى تمويلات ضخمة، مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية.
المال العام لم يعد متروكًا للمفسدين
مشروع هذه الوكالة الوطنية يندرج ضمن رؤية شاملة تروم تحديث منظومة العدالة المالية والإدارية، ووضع حد لممارسات مشبوهة لطالما ارتبطت بمظاهر الريع والفساد واستغلال النفوذ.
والأهم من كل ذلك، أن المشروع يعكس إرادة سياسية واضحة في محاربة التهرب المالي وتبييض الأموال، ويعزز تموقع المغرب ضمن البلدان المتقدمة في التزامها بتوصيات المنظمات الدولية، وعلى رأسها مجموعة العمل المالي (GAFI).
هي بداية صفحة جديدة، يطوي بها المغرب عهد التساهل مع مهربي المال العام، ويرسي قواعد دولة المؤسسات والمحاسبة، بما ينعكس إيجاباً على ثقة المواطنين في دولتهم، ويجعل من كل درهم محجوز لبنة في بناء الوطن.