بقلم : رشيد صفـَـر
“استهلك بلا متهلك” واتصال من مواطنة !!
كانت فترة اشتغالي ضمن فريق تحرير برنامج “استهلك بلا متهلك”، الذي كان يُبث ضمن برامج القناة الأولى، مليئة بالتجارب والمواقف الجادة والساخرة على حد سواء.
تلك الكبسولة التوعوية، التي ما زال العديد من متتبعي برامج التلفزيون يسألون عنها وعن مقدمها المنشط إدريس العراقي، الذي يعتبره البعض أول “بودكاست” بالمغرب ولكن عبر التلفزيون، إذ تتناسب طريقة وتقنية تصوير البرنامج وعفوية الأداء دون تصنع، التي يتميز بها المنشط إدريس العراقي، مع طريقة تقديم المحتوى في نوعية “البودكاست” التي عرفت نشأتها على الويب.
كان الهاجس دائما في حلقات البرنامج هو الحصول على معلومات صحيحة وكتابة النصوص بتوليفة تتناغم فنيا وتقنيا مع الأسلوب المتفرد في أداء إدريس العراقي لمواضيع الحلقات السريعة الإيقاع، بداية من التقديم بعد جينيريك البداية إلى الجملة الأخيرة قبل جينيريك النهاية. وكان العراقي منشطا يزاوج بين صفتي créateur و exécuteur، فمتى كان النص جيدا ومضبوطا من حيث التركيب والمعلومة، يندمج في تفاصيله بشكل مبهر ووفاء للخط التحريري لأشهر كبسولة تحسيسية بالمغرب لغاية اليوم، ومتى كان النص يفتقد لبعض العناصر من حيث الشكل أو الموضوع، فهو يتدخل ويناقش مع الكاتب ويجد حلولا ويطرح أسئلة تستفز فريق الإعداد وتقيس مدى إلمامهم الجيد بما كانوا، أو بالأحرى بما كنا، نكتبه أو نعده من تيمات.
عندما صدر القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، بتاريخ 18 فبراير 2011، اشتغلت بالتنسيق مع إدريس العراقي والمنتج الإيطالي “برونو سياسيا”، على اقتراح وكتابة سلسلة حلقات للتعريف بهذا القانون وبعض بنوده والحقوق والواجبات التي جاء بها، خصوصا بالنسبة للمواد المتعلقة بالتزامات البائع أو المورد كما يتم توصيفه في القانون المذكور، الذي أعطى تعريفا مفصلا للمستهلك والبائع أو المورد، بفتح الواو وتشديد كسرة الراء.
رغم أن النصوص التنظيمية لهذا القانون كانت ولا تزال قيد الطبع، وقبله الطرح والمصادقة من طرف البرلمان، الذي يعج بالموردين والموالين لهم منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا – وتلك حكاية أخرى..
كنت مكلفا بإنجاز حلقات خاصة بما تضمنه القانون من بنود في صالح المستهلك لحماية حقوقه أمام جشع أو غش البائع، وبعد بث حلقة خاصة عن crédit gratuit أي السلف المجاني، حدث أمر عجيب لم نألفه في فريق الإعداد من قبل، إذ اتصلت مواطنة بسكرتيرة الشركة المنفذة للإنتاج وطلبت منها أن تمكنها من الحديث مع إدريس العراقي حول معلومة مرت بالبرنامج، خاصة بالسلف المجاني.
حكت المتصلة أنها شاهدت وسمعت في البرنامج على القناة الأولى، أن المستهلك الذي يقتني منتوجا معروضا للبيع بسلف مجاني ويدفع مبلغ الشراء كاملا وفي الحين، من حقه الاستفادة من التخفيض في الثمن الإجمالي للمنتوج.
كانت هذه المواطنة قد طلبت التخفيض في ثمن شراء ثلاجة معروضة للبيع بسلف مجاني بمحل معروف ببيع الأجهزة المنزلية، وأخبرت المكلف بالبيع vendeur أنها ستؤدي الثمن كاملا وفي الحين، وطالبت بتخفيض الثمن، لكن تعنت ورفض البائع جعلها تخبره أن المعلومة حصلت عليها من برنامج “استهلك بلا متهلك” لإدريس العراقي بالقناة الأولى.
لم يعر البائع اهتماما لطلب السيدة ورفضه، فخرجت السيدة غاضبة واتصلت بقسم التواصل بالقناة الأولى، الذي أحالها على عنوان وهاتف الشركة التي تنجز البرنامج.
عندما اتصلت السيدة بسكرتيرة الشركة، أخبرتها أنها تريد التحدث مع إدريس العراقي حول معلومة مرت بالبرنامج وشرحت لها الواقعة مع بائع الثلاجة، فما كان من السكرتيرة إلا أن طلبت منها الانتظار لحظة، كي تربط الاتصال بالعراقي وتخبره بالأمر.
بعد اتصال السكرتيرة بإدريس العراقي، أخبرها أنه لا يتذكر تفاصيل الحلقة، وأن عليها الاتصال بي بحكم أنني كاتب الحلقة، وفعلا اتصلت السكرتيرة بي، وأخبرتني بتفاصيل الحكاية، فطلبت منها هاتف السيدة واتصلت بها بدوري، فشرحت لي تفاصيل الحكاية جيدا، فأخبرتها أن طلبها ينسجم مع القانون، وأن المعلومة التي مرت بالحلقة، اعتمدنا فيها على ما جاء في المادة 101 من قانون 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، وطلبت منها أن تأخذ ورقة وقلما وتسجل المعلومات، ففعلت وهي جد متحمسة، إذ ارتفع إيقاع صوتها وزادت ثقتها في المعلومة وفي نفسها، وبعد الشكر، أخبرتني أنها ستعود للبائع لكي تواجهه بالمعلومات وترغمه على تطبيق القانون. طلبت منها أن تعاود الاتصال بي لتخبرني بردة فعل البائع.
بعد يوم من المكالمة مع السيدة، تذكرت حكايتها، واستغربت عدم اتصالها بي كما كان الاتفاق بيننا هاتفيا، فقررت أن أتصل بها، وبعد أن رن هاتفها، أجابتني معتذرة عن عدم معاودة الاتصال بي، وأخبرتني أن البائع نفذ طلبها، وحكت لي التفاصيل ..
بعد أن واجهت البائع بالبند القانوني، لم يستطع تنفيذ ما طالبته به، ووقف مصدوما وهو يعاود قراءة فحوى الورقة التي تسلمها منها – حسب رواية السيدة -، التي أخبرتني أنها طلبت منه النداء على مسؤول بالمحل أعلى منه رتبة في تحمل المسؤولية، وبالفعل حضر المسؤول، وعلم بحيثيات الموضوع، وتم تنفيذ طلب المواطنة، الذي حولته المادة القانونية إلى أمر.