بقلم: حسن الخباز – ديريكت بريس مغرب
في مشهد نادر يُجسد عمق الإحباط، خرج مئات من سكان قرية آيت بوكماز، في مسيرة احتجاجية سلمية، قاطعين عشرات الكيلومترات مشيًا على الأقدام، متوجهين نحو مقر ولاية جهة بني ملال-خنيفرة. هؤلاء القادمون من عمق “المغرب المنسي”، لم يعودوا قادرين على الصبر أمام سنوات من التجاهل والتهميش، فقرروا أن يواجهوا الصمت الرسمي بخطوة احتجاجية حضارية، بعد أن ضاقت بهم سبل الانتظار.
انطلقت قافلة الغضب من قرى الجبال النائية التابعة لإقليم أزيلال، وبلغت حدود جماعة آيت امحمد، حيث قضى المحتجون ليلتهم في العراء داخل إحدى غابات المنطقة، قبل أن يواصلوا السير في اليوم التالي باتجاه بني ملال، حاملين مطالب لا تُعد ترفاً، بل حقوقًا أساسية تُعنى بالبنية التحتية، والصحة، والتعليم، والأمن الاجتماعي.
مطالبهم بسيطة ومشروعة: إصلاح الطريق الجهوية رقم 302 وتوسيع الطريق 317، توفير طبيب قار بالمركز الصحي المحلي، تعزيز تغطية شبكة الهاتف والأنترنت، إحداث ملعب للقرب، مركز للتكوين المهني، مدرسة جماعاتية، وبناء سدود تلية تحمي الدواوير من خطر الفيضانات. كما يطالب السكان بإنهاء القيود الإدارية التي تحرمهم من بناء مساكن على أراضيهم بسبب غياب تصميم التهيئة.
الاحتجاج هو صرخة ألم متراكمة منذ فجر الاستقلال، حين وُعدت المنطقة بالتنمية ولم تنل منها إلا الفتات. سكان آيت بوكماز يشعرون بمرارة التفاوت المجالي، إذ يرون جماعات مجاورة تحظى بمشاريع تنموية في حين ما زالت قراهم غارقة في العزلة والانقطاع كل شتاء بسبب الثلوج والفيضانات والانهيارات الأرضية.
الرسالة كانت واضحة: لم يعد للغة الصمت مكان في قمم الجبال. سكان آيت بوكماز تخلوا عن الحوار المحلي، الذي بات في نظرهم عقيمًا، وتوجهوا نحو أعلى سلطة في الجهة. فهل تستجيب ولاية بني ملال خنيفرة لنداء الكرامة هذا؟ وهل تكون هذه المسيرة بداية نهاية التهميش المزمن؟ أم سيظل سكان “المغرب غير النافع” مطالبين بحقهم في العيش الكريم من خلف الجبال؟
الكرة الآن في ملعب المسؤولين، إما الإنصات لصوت الجبل، أو مواجهة مزيد من الانفجارات الاجتماعية القادمة من عمق الوطن الصامت