✍ بقلم: الصحافي حسن الخباز
في خطوة جديدة تعزز مبدأ المحاسبة، أصدرت غرفة جرائم الأموال حكمها النافذ في حق المدير السابق لأكاديمية سوس ماسة درعة للتربية والتكوين، وذلك على خلفية قضايا تبديد واختلاس أموال عامة، وتزوير محررات رسمية وتجارية تتعلق بالمخطط الاستعجالي الذي شهدته وزارة التربية الوطنية بين 2009 و2012.
المخطط الاستعجالي.. من وعود الإصلاح إلى فشل ذريع
كان المخطط الاستعجالي أحد أكبر المشاريع الإصلاحية التي تبنتها وزارة التربية الوطنية، وسط تطبيل وتزمير بكونه سيشكل قفزة نوعية للمنظومة التعليمية المغربية. لكن بعد مرور سنوات، تبين أن هذا المشروع لم يحقق الأهداف المرجوة منه، رغم الميزانيات الضخمة التي رُصدت له، والتي تقدر بالمليارات.
إدانة وتبرئة.. تفاصيل الأحكام
قضت محكمة الاستئناف بمراكش بالسجن النافذ لمدة سنتين ونصف في حق علي براد، المدير السابق للأكاديمية، بعد ثبوت تورطه في تبديد أموال عمومية موضوعة تحت يده بحكم وظيفته، إضافة إلى التزوير في محررات رسمية. وتبين أن الأموال التي كانت مخصصة لاقتناء العتاد الديداكتيكي لم تُصرف بالشكل المطلوب، مما تسبب في هدر كبير للمال العام.
وبعد تحقيقات معمقة أجرتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، اعترف المعني بالأمر بالتهم الموجهة إليه، ليُحال مباشرة على القضاء برفقة مسؤولين آخرين. غير أن محكمة الاستئناف برّأت كلًا من مولاي أحمد كاسي، محمد روبيو، وأحمد أدراق من التهم المنسوبة إليهم.
في المقابل، ألزمت المحكمة كلًا من نور الدين لمزابي وبشرى حيران بتعويض تضامني قدره 10 آلاف درهم، مع تحمل الصائر لفائدة المطالب بالحق المدني.
ملف تفجر بفضل جهود المجتمع المدني
يُذكر أن هذه القضية فجّرتها الجمعية المغربية لحماية المال العام، التي تقدمت بشكاية رسمية إلى محكمة الاستئناف بمراكش، مطالبة بفتح تحقيق معمق في هذه الاختلالات المالية. وبعد استكمال البحث، أُحيل الملف إلى القضاء، ليُصدر حكمه بعد جلسات ماراثونية.
هل هو بداية عهد جديد للمحاسبة؟
استقبل الشارع المغربي هذا الحكم بارتياح كبير، معتبرًا إياه خطوة إيجابية نحو تعزيز مبادئ ربط المسؤولية بالمحاسبة، خاصة أن المخطط الاستعجالي كان رمزًا لإهدار المال العام دون تحقيق أي نتائج ملموسة.
لكن التساؤل الأهم الذي يطرحه المغاربة اليوم هو:
هل ستستمر المحاسبة لتشمل باقي ملفات الفساد الكبرى؟ وهل ستعود الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة؟
الإرادة الملكية واضحة في هذا الشأن، إذ سبق للملك محمد السادس أن شدد في أكثر من خطاب على ضرورة محاسبة الفاسدين وعدم التساهل مع ناهبي المال العام، وها نحن اليوم نشهد تنفيذًا عمليًا لهذه التوجيهات.
هل يكون هذا الحكم بداية لمسلسل جديد من المحاسبة، أم أنه مجرد حلقة عابرة في مسار طويل من ملفات الفساد التي لم يُفتح الكثير منها بعد؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال.