“الواقع والمواقع “… سلسلة مقالات ننشرها حصريا في جريدة “ديريكت بريس” للتسلية والترفيه وأيضا للتوعية والتثقيف، حيث نرصد من خلالها تفاصيل حدث خلق ضجة إعلامية كبيرة، انطلاقا من مواقع التواصل الاجتماعي، لنتتبع خيوط تأثيره على ردود أفعال المواطنين وصناع القرار في العديد من دول العالم.
بقلم : رشيد صفـَـر
الحلقة 17 : “البومادا الصفرا” وكذبة أبريل ..
في بداية أيام شهر أبريل لهذا العام 2025، وبينما كان الناس في العديد من دول العالم يتبادلون نكت كذبة أبريل، ويخوضون في المواقف الفكاهية والتقليدية التي تعود لواجهة الأحداث بمواقع التواصل الاجتماعي في كل عام، كان المغاربة على موعد مع خبر مفاجئ، عنوانه البارز : “البومادا الصفرا” تم سحبها من الصيدليات !!!”.
مع انتشار الخبر بسرعة البرق عبر منصات التواصل الاجتماعي، ظن العديد من المغاربة أنه لا يعدو كونه فصل من فصول كذبة أبريل المعتادة. لكن مع استمرار تداول الخبر، بدأت بعض الأسئلة تُطرح بإلحاح من طرف المبحرين عبر أمواج الإنترنت :
هل هذا الخبر حقيقي ؟.
هل تم سحب البوامادا الصفرا بسبب احتواءها لمادة محظورة ؟.
وهل فعلا البومادا الصفرا التي استعملناها لسنوات خذلتنا وأصبحت غير صالحة !؟.
هذه الأسئلة المؤرقة جاءت نتيجة للارتباط العاطفي العميق، الذي جمع بين المغاربة و”البومادا الصفرا”، ذلك المنتوج الذي طالما رافق الصيدلية المنزلية في الحياة اليومية. فهذه العبوة الصغيرة كانت دائما حلا سريعا عند أغلب الناس لعدد من الحروق الجلدية الطفيفة و بعض أمراض العين، ورمزا للأدوية الرخيصة التي لم تفقد مكانتها رغم مرور الزمن، فهي العلاج الموثوق للفقراء والمحتاجين، خاصة في المناطق التي يندر فيها الوصول إلى الأدوية المكلفة. ففي كل منزل لابد أن تجد عبوة من هذه البومادا ولو فارغة.
“ما عندكش الفلوس، عندك البومادا الصفرا”. هكذا كان يتفاخر المغاربة، فقد كانت ولاتزال المساند الأول في كل منزل، منتج معتمد وموثوق.
فكثيرا ما كان ولايزال العديد من الأجداد والجدات يوصون أبنائهم وأحفادهم باستعمالها، للتداوي من أمراض العين والطفح الجلدي البسيط، رغم أنها خاصة بالعيون.
شوك الشكوك على السوشيال ميديا
ما إن انتشر خبر سحب “البومادا الصفرا” حتى أصبح الموضوع حديث الساعة على منصات التواصل الاجتماعي. رواد الإنترنت المغاربة كانوا في حالة من الاستفهام والدهشة، حيث بدأ كل واحد منهم يُضيف لمسته الخاصة للخبر، فبينما ظن البعض أن هذا سحب مؤقت أو خطأ، روج آخرون في صفحات الفيسبوك والمواقع الأخرى التكهنات العشوائية التي انتشرت بسرعة كبيرة.
الحديث لم يكن يدور عن الأسباب العلمية وراء هذا السحب، بل تحولت المناقشات إلى فرضيات مثيرة، فبعضهم اعتقد أن سحب المنتج كان بسبب احتوائه على مواد محظورة، بينما تساءل آخرون: “هل سحبوا البومادا لأن ثمنها رخيص؟”.
أو “هل هناك شركات كبيرة وراء هذا القرار لترويج منتجات أخرى؟”.
كما ذهبت بعض التعليقات إلى عالم التفسير السياسي والاقتصادي، حيث أشار البعض إلى أن هذا السحب جاء بسبب مشاكل سياسية بين الدول المنتجة، و المنافسة الشرسة التي كان تفرضها البومادا الصفرا في سوق الأدوية العالمي، بسبب جودتها العالية وسعرها الرخيص والمتاح للفقراء.
الحقيقة وراء السحب
بعد كل هذا الجدل والشائعات التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي، جاء التوضيح من الوكالة المغربية للأدوية. فقد تبين أن سحب “البومادا الصفرا” لم يكن بسبب مواد ضارة بالصحة أو تلاعب تجاري، بل كان بسبب عدم الالتزام بشروط التخزين المناسبة خلال توزيعها على نقط البيع أي الصيدليات.
ببساطة، بسبب ظروف التخزين غير المناسبة، فقدت حبيبة الفقراء البومادا الصفرا بعضا من خصائصها بعد تعرضها للتلف، وهو ما جعلها لا تتوافق مع المواصفات المطلوبة، وتأكدت مسألة أن سحب البومادا الصفرا مرتبط بالسلامة العامة وضمان عدم تأثير التغييرات الفيزيائية والكيميائية على جودة المنتوج وانعكاس ذلك بالضرر على صحة المواطن.
إذن يمكن القول أن سحب “البومادا الصفرا”، لا يعدو كونه إجراء تقني واحترازي استهدف دفعة معينة أو مخزون من هذا الدواء أي بالفرنسية stock لم يتم تخزينه بشكل ملائم، وتم تطبيق هذا الإجراء لضمان الجودة والسلامة، وفي انتظار أن تعود للسوق بثمنها المعتاد، ستتلاشى كل التكهنات، لكن في عصر السوشيال ميديا، تحول الخبر إلى شائعة تم تداولها بشكل واسع، مما أدى تفسيرات مغلوطة.
يبقى هذا الخبر دليل آخر على أن منصات التواصل الاجتماعي تساهم في انتشار الأخبار بشكل سريع، دون التحقق من صحتها، مما يخلق حالة من الارتباك بين المواطنين.
في النهاية، وجب التأكيد أن أكثر من 60 في المائة من المواطنات والمواطنين يحصلون على الأخبار في هذا العصر من مواقع التواصل الاجتماعي، و مع كل استعمال لهذه المنصات، تبرز الحاجة إلى التحقق من الأخبار وعدم الانجرار وراء الإثارة التي قد تغطي الحقيقة في كل نقرة على لوحة مفاتيح حاسوب أو هاتف ذكي.