“الواقع والمواقع “… سلسلة مقالات ننشرها حصريا في جريدة “ديريكت بريس” للتسلية والترفيه وأيضا للتوعية والتثقيف، حيث نرصد من خلالها تفاصيل حدث خلق ضجة إعلامية كبيرة، انطلاقا من مواقع التواصل الاجتماعي، لنتتبع خيوط تأثيره على ردود أفعال المواطنين وصناع القرار في العديد من دول العالم.
بقلم : رشيد صفــَـر
الحلقة 5 : تغريدة على تويتر تنقذ ثلاثة شبان من الإعدام.
في نونبر 2019، اهتزت إيران على وقع واحدة من أكبر الموجات الاحتجاجية في تاريخها الحديث، إذ خرج آلاف المواطنين إلى الشوارع، للتعبير عن غضبهم، ومع تزايد المواجهات مع قوات الأمن، سقط العديد من القتلى والجرحى، وتم اعتقال العديد من المتظاهرين، ومن بين هؤلاء المعتقلين، كان هناك ثلاثة شبان لا تربطهم علاقة بالسياسة، كانوا ضحايا لحظة غضب شعبي تحولت إلى فوضى، و وجدوا أنفسهم في قلب العاصفة، حيث تم الحكم عليهم بالإعدام.
انتشر الخبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة البرق، وكان الوسم “لا تعدموهم !!” على تويتر، هو الشرارة التي أشعلت حملة ضخمة، للتضامن معهم داخل وخارج إيران، وتحت هذا الضغط الجماهيري الهائل، تراجعت السلطات الإيرانية عن قرار تنفيذ حكم الإعدام، وبدأت في مراجعة الملف، مما أنقذ حياة الشبان الثلاثة.
ما هو السبب الرئيسي لهذه الاحتجاجات !؟.
من هم الشبان الثلاثة !؟.
كيف استطاعت تغريدة على تويتر أن توقف حكم الإعدام!؟.
بداية القصة ..
كان السبب المباشر في هذه الاحتجاجات، هو قرار الحكومة الإيرانية رفع أسعار الوقود بنسبة 50%، وهو ما أثار غضبا شديدا في الشارع الإيراني، وبعد تدخل السلطات الإيرانية الأمنية لإخماد نيران الاحتجاجات تم اعتقال ثلاثة شبان وهم : أمير حسين مرادي وهو شاب في العشرينات من عمره، يعمل في متجر إلكترونيات، كان حسين معروفا بين أصدقائه بجديته وطموحه، ولم يكن له أي ارتباط بحركات سياسية أو “احتكاك” سابق مع السلطات.
أما الشاب الثاني فاسمه سعيد تمجيدي، وهو طالب في كلية الهندسة، قرر أن يخرج إلى الشارع بسبب ارتفاع الأسعار، لكن انتهى به الأمر معتقلا وسط الاحتجاجات العنيفة، ولم يكن يتوقع يوما ما أن يصبح عنقه قريبا من حبل المشنقة.
أما الشاب الثالث فاسمه محمد رجبي وهو سائق شاحنة لنقل البضائع، وجد نفسه في قلب المواجهات، لأنه تواجد في مكان الاحتجاجات.
اعتقال وحكم بالإعدام
بعد اعتقال الشبان الثلاثة، وجهت إليهم السلطات الإيرانية اتهامات بالتحريض على العنف، والتخريب، والاعتداء على قوات الأمن، بناء على تسجيلات كاميرات المراقبة وسجلات الهواتف المحمولة، وعلى الرغم من أنهم لم يكونوا من مهندسي الاحتجاجات أو أتباعهم، تم محاكمتهم بسرعة ضمن مجريات محاكمة وصفت في وسائل الإعلام بـ (المحاكمة السرية دون ضمانات عادلة)، وفي وقت وجيز، صدر في حقهم حكم بالإعدام.
هذا الحكم جاء في وقت كان فيه المجتمع الإيراني يواجه حالة من القمع المتزايد، في ظل حكومة مشغولة بمحاولة فرض سلطتها على الاحتجاجات.
على الرغم من الضباب الذي أحاط بقضية هؤلاء الشبان الثلاثة، حدثت مفاجأة غير متوقعة، أذ تسربت أخبار حكم الإعدام إلى وسائل الإعلام المحلية والدولية، ما دفع ناشطين من داخل إيران وخارجها، إلى إطلاق حملة إلكترونية غير مسبوقة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة تويتر.
في وقت قصير، انتشر عبر تويتر وسم (#لا_تعدموهم) في العديد من دول من العالم، حيث شارك فيه ملايين الإيرانيين و مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي في دول أخرى ومن ثم وصل الخبر إلى منظمات حقوقية وشخصيات دولية وازنة.
دونالد ترامب يدخل على الخط
أدت الحملة التضامنية مع الشبان الثلاثة، إلى ردود فعل سريعة من شخصيات دولية، وكان أبرزها تغريدة من الرئيس الأمريكي حينها دونالد ترامب، الذي نشر على تويتر دعوة لإلغاء حكم الإعدام باللغتين الإنجليزية والفارسية، مما شكل ضغطا كبيرا على الحكومة الإيرانية. كانت هذه أول مرة يتدخل فيها رئيس دولة عظمى، بهذا الشكل المباشر في قضية قضائية داخل إيران.
مع تصاعد الحملة الرقمية، وجدت الحكومة الإيرانية نفسها تحت ضغط شعبي ودولي كبير، ولمواجهة هذا الضغط المتزايد، قررت السلطات تعليق تنفيذ أحكام الإعدام وإعلان إعادة محاكمة المتهمين، حيث كان هذا القرار مفاجئا للجميع، إذ لم يكن من المتوقع أن تراجع السلطات الإيرانية حكما بالإعدام بهذه السهولة في قضية كان مصيرها يبدو محسوما منذ لحظة الاعتقال.
تويتر يفرض التراجع عن حكم الإعدام
بعد إعادة المحاكمة، تم تخفيف الأحكام على الشبان الثلاثة، ولكنهم لم يخرجوا كلهم، من دائرة المعاناة، إذ كانت تفاصيل إعادة المحاكمة على الشكل التالي:
بالنسية لأمير حسين مرادي، فقد حصل على عفو جزئي وتم إطلاق سراحه بعد قضائه عدة أشهر في السجن.
أما سعيد تمجيدي و محمد رجبي، على الرغم من تخفيف حكم الإعدام الصادر في حقهما، إلا أنهما ما زالا في السجن، حيث تم تحويل حكم الإعدام إلى سجن طويل الأمد.
لم تكن هذه القصة مجرد تعديل في الأحكام القضائية، بل كانت نقطة فارقة في كيفية تفاعل الحكومات مع الضغط الجماهيري عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
لقد فتحت حكاية هؤلاء الشبان الثلاثة في إيران، النقاش حول الدور المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي في التأثير على القرارات القضائية، ويمكن القول أن هذه القضية قدمت نموذجا مهما للسلطة الخامسة، أي سلطة مواقع التواصل الاجتماعي، وتأكد من خلال تفاصيلها، أن تغريدة واحدة يمكن أن تنقذ حياة إنسان من حكم الإعدام، ففي عصر تطور وسائل التواصل عبر الإنترنت، أصبح من المتاح أن ترضخ أحكام العدالة للنقد والرفض في العالم الافتراضي، وقد يصبح “الترند” هو العامل الحاسم في تحديد مصير الأفراد، أمام سلطة وحتمية القرارات الرسمية.