spot_img

ذات صلة

كل المقالات

حين يسألك فيسبوك : فيمَ تُفكّر !؟

بقلم: رشيد صفـَر عندما تلجُ إلى حسابك على الفايسبوك تجد...

افتتاح “حنفية”… بالرّيبان والمقص الأحمر!

بقلم: محمد حجام – ديريكت بريس مغرب | حد...

حين يسألك فيسبوك : فيمَ تُفكّر !؟

بقلم: رشيد صفـَر

عندما تلجُ إلى حسابك على الفايسبوك تجد عبارة : “فيمَ تفكر؟”..
فهل هو سؤال فيسبوكي ساذج أم مدخل لسوسيولوجيا الذات الرقمية؟ أم سؤال بريء؟..
حين يسألك فيسبوك : “فيمَ تفكر؟” فهو لا ينتظر إجابة عميقة، بل يقدم لك حقلا أبيض يغريك بأن تملأه، دون قيد أو شرط، ولا يتطلب منك سوى أن تبوح. ولكن خلف هذا السؤال الذي قد يبدو بسيطا، تختبئ وراءه منظومة اجتماعية رقمية معقدة، تعيد تشكيل علاقة الفرد بذاته، وبالآخر، وبالواقع، بل وتعيد تعريف التفكير نفسه.
ترك ديكارت للعالم مقولة شهيرة : “أنا أفكر، إذن أنا موجود”. لكنّ فيسبوك جعل المعادلة : “أنا أشارك، إذن أنا حاضر”. لم يبق التفكير فعلا داخليا تأمليا، بل تحوّل إلى عرض رقمي مفتوح، موجّه للمتابعين. بهذه الطريقة، لا يمكن القول بأن هذا السؤال الفيسبوكي هو دعوة للتفكير فقط، بل هو إذن دعوة للتصريح بالتفكير، وفق قواعد اللعبة الخوارزمية.
السؤال الفيسبوكي “فيم تفكر؟” لا يُطرح من فراغ، بل في سياق نظام رأسمالي رقمي يدفعك لتحويل ذاتك إلى منتوج.
فهل سنفكر كلنا جيدا، قبل نشر أي فكرة، والحال أنها ستكون رهينة بالإجابة عن أسئلة ستراودنا :
هل ستنال فكرتنا إعجابا ؟
من سيعلّق عليها وكيف ؟
من سيشاركها ومن سيرفضها ؟..
العديد من الفايسبوكيين لا يكتبون ما يفكرون فيه فعلا، بل ما يتصوّرون أنه قد يمنحهم “رأسمالا رمزيا” من القبول، أو الجدل، أو الشهرة المؤقتة. وآخرون ينقلون دون ذكر المصدر.
لقد أصبح تكرار الكتابة عن الذات أمام الجمهور، نوعا من طلب الاعتراف. كأنك تقول: “أنا مهمّ، لأن لدي أفكارا تُكتب، وتُقرأ، ويُعلق عليها الآخرون”. وهكذا يصبح فيسبوك مسرحا للاعتراف الاجتماعي المتبادل، وتُقاس قيمتك بمدى التفاعل، لا بعمق المحتوى.

المفارقة الكبرى هي أن أغلب من يجيبون عن هذا السؤال الفيسبوكي، لا يفكرون فعلا فيما يكتبونه، إذ هناك فجوة متنامية بين الذات الرقمية والذات الحقيقية. ما يُكتب كثيرا ما يكون نسخة مصقولة أو مثالية أو قابلة للاستهلاك، بعيدة عن التفكير الصادق. وهكذا يولد ما يمكن تسميته بـ”الانفصام السوسيولوجي” – شخصية رقمية تقول “أنا بخير”، بينما الواقع يقول العكس.
قبل ظهور فيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي، كان الانسان يعبر عن فكره بطرق مباشرة وبطيئة نسبيا، مثل الحديث مع الآخرين وجها لوجه أو كتابة الرسائل والمذكرات، التي كانت تعكس عمقا وتأملا في الأفكار. كانت هذه الطرق تمنح مساحة للتفكير الداخلي والتروي قبل التعبير، كما كانت تحترم خصوصية الذات وعزلتها. أما اليوم ومع السؤال الذي يطرحه فيسبوك “فيم تفكر؟” فقد تغير كل شيء، رغم أنه لازال بيننا من يتواصل بهذه الطريقة القديمة، ومن يجمعها مع التعبير عن فكره وأفكاره عبر فايسيوك.
“فيم تفكر؟” – ظاهريا، هو سؤال وجودي، وعمليا، هو تقنية جاذبة لإبقاء المستخدم داخل المنصة أطول وقت ممكن. إنه سؤال خادع يشبه مرآة تقول لك :
“تكلّم، الكل يراك”.
لكن هذه المرآة لا تعكس بالضرورة حقيقتك، بل تعكس ما يريد الآخرون أن يروه منك وعنك، وما ترغب أن تصدّره إليهم وعنهم.
إن هذا السؤال الفيسبوكي ليس بريئا، بل هو اختزال ماكر لوظيفة التفكير وتحويله إلى سلعة تفاعلية. في عالم يُسوّق فيه التفكير كبضاعة، يصبح من الضروري أن نسأل أنفسنا :
هل نحن فعلا نفكر !؟.
أم فقط نكتب ما يُنتظر منا أن نفكر فيه !؟.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا
Captcha verification failed!
فشل نقاط مستخدم captcha. الرجاء التواصل معنا!
spot_imgspot_imgspot_imgspot_img