رشيد صفـَـر
في عالم كرة القدم، لا يقتصر التنافس على تسجيل الأهداف وتحقيق الانتصارات فقط، بل يمتد ليشمل القيم والاحترام والوفاء. جسد الإطار الوطني بادو الزاكي هذه القيم بأبهى صورها خلال المباراة التي جمعت بين منتخب النيجر والمنتخب المغربي، يوم أمس 21 مارس 2025، بملعب وجدة، عندما رفض الاحتفال بعد تسجيل فريقه لهدف في مرمى بلده الأم، في مباراة انتهت بفوز أسود الأطلس بنتيجة 2-1 بهدف قاتل في الدقيقة 92، بعد تمريرة للجهة اليسرى من قدم براهيم دياز لنصير مزراوي الذي رفع الكرة في طبق من ذهب لبلال الخنوس، الذي سجل هدف الانتصار بضربة رأسية استقرت في الشباك، معلنة حصول كتيبة وليد الركراكي على ثلاث نقط.
لا يمكن الحديث عن كرة القدم المغربية دون ذكر اسم بادو الزاكي، الحارس الأسطوري الذي حمل قميص أسود الأطلس لسنوات طويلة وشارك في مونديال 1986 حيث تألق بشكل لافت. بعد اعتزاله، عاد إلى المنتخب كمدرب وحقق إنجازا تاريخيا بقيادته المغرب إلى نهائي كأس أمم إفريقيا 2004، في إنجاز سيظل محفورا في ذاكرة الجماهير المغربية
قبل انطلاق المباراة بين المغرب والنيجر، عاش بادو الزاكي لحظة مؤثرة خلال ترديد النشيد الوطني المغربي، حيث بدا متأثرا بشكل واضح وكبح دموعه بصعوبة. في تصريح بعد المباراة، قال الزاكي
“وقفت بكل فخر واحترام أثناء ترديد النشيد الوطني. المشاعر كانت جياشة وذكرياتي مع المنتخب المغربي عادت إلى الواجهة. لقد حاولت كبح دموعي .. كانت لحظة مؤثرة”.
رغم أن الزاكي كان في دكة الخصم، بحكم مهمته كمدرب لمنتخب النيجر، إلا أن قلبه ظل مغربيا، ممتلئا بذكريات جميلة وأحاسيس يصعب كتمانها. لذلك، حين سجل منتخب النيجر هدفه في شباك أسود الأطلس، لم يقفز فرحا ولم يرفع يديه احتفالا. بل اكتفى بملامح هادئة تترجم احترامه للوطن والجمهور، ليؤكد مجددا أن الوفاء للوطن يعلو فوق كل اعتبار
رغم خسارة منتخب النيجر في آخر دقائق المباراة، أظهر بادو الزاكي حنكة تكتيكية مميزة، حيث نجح في خلق متاعب كبيرة للمنتخب المغربي، الذي يعتبر من أقوى المنتخبات الإفريقية حاليا، وسبق أن حقق المركز الرابع في مونديال قطر 2022. كتيبة الزاكي أظهرت تنظيما دفاعيا وتماسكا جماعيا أحرج الأسود في عدة فترات من المباراة
بعد أن سجل منتخب النيجر هدف التقدم، تمكن المنتخب المغربي من تعديل النتيجة قبل أن يخطف هدف الفوز في الدقيقة 92 لتنتهي المباراة بنتيجة 2-1. ورغم الخسارة، كسب منتخب النيجر احترام المتابعين بفضل الأداء المشرف، الذي يعود جزءا كبيرا منه إلى خبرة بادو الزاكي في إدارة المباريات الصعبة
قد يختلف مشجعو كرة القدم في تقييم أداء بادو الزاكي كمدرب، لكن لا يختلف اثنان على قيمه ومبادئه التي ظلت ثابتة في كل محطاته. رفضه الاحتفال وتفاعله العاطفي مع النشيد الوطني لم يكن مجرد تصرف عابر، بل هو امتداد لشخصية ظلت على الدوام نموذجا للاحتراف والإنسانية.
كرة القدم ليست فقط لعبة نتائج، بل هي أيضا لعبة مشاعر وقيم، حيث يعلو الوفاء فوق المنافسة. بادو الزاكي لم يفز على أسود الأطلس في بلده، لكنه انتصر في عيون كل من يؤمنون بأن الانتماء والاحترام هما أجمل ما في كرة القدم.